Site icon IMLebanon

احتواء صدمة الاستقالة: ماذا عن المضمون؟

 

كل الذين فوجئوا، عن حق، باستقالة الرئيس سعد الحريري يعرفون أن المشكو منه في الوضع السابق للاستقالة ليس مفاجأة لأحد. لا على الصعيد المحلي، حيث وصل الخلل في التوازن الى مستوى خطير أريد له من أجل الاستقرار ألاّ يبدو خطرا. ولا على الصعيد الاقليمي وامتداداته الدولية، حيث دخل الصراع الجيوسياسي على اليمن والعراق وسوريا ولبنان مرحلة بالغة الحدّة وسط تبدّل في موازين القوى زاد من التفاوت في الوزن والخلل في التوازن. وكل الذين دعوا، عن حكمة، الى الهدوء والتبصّر في انتظار الاطلاع من الحريري على المعطيات التي جعلته يعلن الاستقالة عبر شاشة التلفزيون من الرياض يعرفون صعوبة الاستمرار في تجنّب القراءة في مضمون بيان الاستقالة.

ذلك ان دوي ما بعد الاستقالة ليس أعلى من صمت ما قبلها. فالأزمة المفتوحة حاليا هي نفسها الأزمة التي كانت مضبوطة أو شبه مغلقة بالتفاهم على التسوية السياسية التي لم تكن ممكنة لولا تبني الحريري ترشيح العماد ميشال عون للرئاسة. وهي تسوية حلّت أزمة الشغور الرئاسي وأعادت الحريري الى رئاسة الحكومة وفتحت الباب للانتظام العام في المؤسسات ولانتاج قانون انتخاب وموازنة عامة وملء مراكز في الادارة، لكنها لم تكن مصممة أصلا لحل الأزمة العميقة في لبنان.

 

كان التفاهم السياسي محدودا على نقاط محددة لا تشكّل برنامجا سياسيا بمقدار ما تقود الى ما سمّاه الحريري ربط نزاع. لكن الوقائع والممارسات في الداخل، والتطورات على المستوى الاقليمي، والمتغيرات في السياسات الدولية وخصوصا في أميركا بعد دخول الرئيس دونالد ترامب الى البيت الأبيض، كشفت ان النزاع ليس مربوطا. فلا تطبيق النأي بالنفس سهّل بالمعنى العملي في لبنان المحكوم بأن يكون بين المسارح التي يدور فوقها صراع المحاور الاقليمية والدولية، لأسباب عدة أبسطها ان فيه قوى مرتبطة إما بالمحور الايراني وإما بالمحور السعودي. ولا سلاح حزب الله الذي له دور مهمّ في حرب سوريا وأدوار أخرى في عدد من البلدان العربية مرشح لأي نقاش لبناني جدّي في مصيره، بصرف النظر عن تمنيات كثيرين وسط رغبة كثيرين في الاستقواء به ضمن محور الممانعة.

فضلا عن ان التسوية التي من بنودها تحييد سلاح الحزب في الداخل، اصطدمت بحقيقة أريد القفز من فوقها لضمان الاستقرار: لا حاجة لاستخدام السلاح في الداخل، كما حدث من قبل، لكي يمسك حزب الله بالمفاصل الأساسية في القرار اللبناني. واللعبة أبعد من الرهان على تسوية الصراع العربي – الاسرائيلي لحل قصة السلاح خارج الشرعية.