Site icon IMLebanon

تلزيم محطة الحاويات… فوز بالتراضي أم بالتغاضي؟

 

الصفقات العمومية وشبهات الفساد وميزان الشفافية

 

 

الضبابية التي تلف عمل وقانونية “اللجنة الموقتة لإدارة مرفأ بيروت” المستمرة منذ سنوات، وعدم الإفصاح عن مجريات المفاوضات مع المتقدمين لتشغيل محطة الحاويات، حجبا الرؤية نسبياً عن الطريقة التى جرت بها العملية، ودفعا إلى طرح مجموعة من الأسئلة. فـ”التنفيخ” على “لبن” التعاقد الأخير، مرده إلى اكتواء اللبنانيين بحليب فوضى الصفقات العمومية ومراعاتها مصالح كل المشتركين فيها، باستثناء المصلحة العامة.

 

 

 

في الشكل تظهر صفقة التلزيم أنها متوافقة مع النظام المالي الخاص بمرفأ بيروت، ولو أن هذه الأنظمة المالية الخاصة التي تنسحب أيضاً على “الهيئة العليا للاغاثة” والمجالس والصناديق… وغيرها، هي واحدة من أسباب الفوضى في المناقصات العمومية، إن لم نقل أكثر.

 

المسار العملي للأمور

 

مع انتهاء عقد شركة BCTC المشغلة لمحطة الحاويات في آذار 2020، بادر وزير الأشغال العامة والنقل آنذاك ميشال نجار إلى رفع دفتر الشروط المعد لتلزيم “المحطة” إلى إدارة المناقصات لإبداء الرأي. مع العلم أن مرفأ بيروت ليس خاضعاً لإدارة المناقصات ولا للرقابة المسبقة من ديوان المحاسبة. وبما أنه لا شيء يمنع قانوناً من إبداء الرأي، وافقت إدارة المناقصات على دراسة الملف. وقد استعانت للغاية بفريق خبراء من الاتحاد الأوروبي مستفيدة من وقتها من سريان مفعول البروتوكول الموقع بين الدولة اللبنانية والجانب الأوروبي. الملف أخذ حقه من الدرس ووضعت عليه مجموعة من الملاحظات، وجرى التنسيق والتواصل مع وزارة الاشغال للتوضيح والاستبيان. ومع استقالة حكومة الوزير نجار في آب 2020 بعد تفجير المرفأ، جمّد الملف، ولم يُعَد تحريكه إلا مع الحكومة الحالية. حيث أبدى وزير الأشغال علي حمية عزمه على الأخذ بملاحظات إدارة المناقصات والسير بالملف تبعا لها.

 

دفتر الشروط مطابق للمواصفات

 

وبالفعل أتت الصيغة النهائية لدفتر الشروط المرفوعة إلى إدارة المناقصات متوافقة مع الملاحظات التي أبداها الخبراء التقنيون. كما استكمل العمل بعدة اجتماعات في إدارة المناقصات بين فريق الخبراء ومعدي دفتر الشروط لشرح التفاصيل التقنية حتى أصبح الدفتر “مستجيباً”. ولم يعد هناك من مانع لإطلاق المناقصة. وهنا، طويت صفحة إدارة المناقصات. ولم يعد لها أي علاقة من قريب أو بعيد بالملف.

 

هل تتوفر بالصفقة شروط التلزيم بالتراضي؟

 

“رياح” الأزمة اللبنانية الحادة “سارت بعكس ما تشتهي سفينة” المناقصة التي حصنت جيداً لمنع “الغرق” في عمق “بحر” المصالح الضيقة، وتعليبها لمصلحة عارضين محددين سلفاً. فلم يتقدم سوى عارضين اثنين. وهو الأمر الذي يخالف نظام مرفأ بيروت الذي ينص على ضرورة توفر ثلاثة عروض. وفي حال عدم توفر هذا الشرط، فان المادة 117 من النظام المالي لمرفأ بيروت تنص على وجوب سلوك طريقة من ثلاث، وهي:

 

– تمديد مدّة تقديم العروض في المناقصة. وهذا ما حصل في 11 كانون الثاني الفائت حيث مددت المهلة لغاية السّاعة 12 من ظهر يوم الإثنين الواقع فيه 31 كانون الثّاني 2022، ولم يتقدم أي عارض جديد.

 

– إعادة إطلاق المناقصة.

 

– التلزيم بالتراضي.

 

الخِيار رسا على الطريقة الثالثة، أي التلزيم بالتراضي للشركة التي قدمت العرض الأفضل، وهذا أصبح معروفاً. إنما المجهول هو إن كانت العملية راعت الشروط التي تتطلبها عملية التلزيم هذه.

 

في علم المناقصات فان اللجوء إلى التلزيم بالتراضي يجب أن يراعي الشروط التالية:

 

أولاً، إجراء مقارنة بين كلفة الوقت لاطلاق مناقصة جديدة والوفر الممكن تحقيقه للمالية العامة من خلال السير بالتراضي في المناقصة الحالية. على أساس هذا الجواب يتحدد الخيار إما يتم الاتفاق وإما تطلق مناقصة جديدة. وهذا ما لا نملك الجواب عليه. ونضع السؤال برسم وزير الأشغال العامة والنقل في إطار الحق بالوصول إلى المعلومات.

 

ثانياً، في حال كان الجواب على السؤال الأول بالايجاب، أي أن المقارنة أظهرت صحة السير بالتلزيم بالتراضي، نسأل إن تمت المحافظة على دفتر الشروط في المفاوضات كما هو. ذلك أن متطلبات الحوكمة الرشيدة تتطلب عدم تغيير دفتر الشروط، لان كل شرط تقني يوصل إلى عرض مالي. بمعنى أوضح أن كل تغيير بالتفاصيل التقنية ينعكس تغيّراً في الاسعار. من هنا لا يمكن تغيير الشروط والإدعاء بمفاوضة العارض والقول إن السعر كان هو الأقل. فهل جرى احترام هذا الشرط في المناقصة الأخيرة؟ سؤال أيضا موضوع برسم وزير الأشغال العامة والنقل.

 

ثالثاً، يجب أن يؤدي التعاقد بالتراضي إلى الحصول على السعر الأدنى. وبحسب المعلن في الصفقة الأخيرة فان هذا الشرط محقق. وذلك بالنظر إلى تخفيض خدمة الحاوية الواحدة من 11,27 دولاراً إلى 11 دولاراً، والإبقاء على الجزء المحدد بالليرة اللبنانية كما هو، والبالغ 285 ألف ليرة لبنانية.

 

رابعاً، إن كان المسار الإجرائي للمناقصة متطابقاً مع متطلبات الشفافية. وهذا يتطلب حضور الشركتين العارضتين اجتماعات لجنة التلزيم، وأن تكون هذه الاجتماعات علانية ويحضرها مندوبون عن جمعيات المجتمع المدني المعنية بهذه الملفات، والإعلام. فهل هذا الشرط كان محققاً؟

 

خامساً، هل عرضت الفرص على العارضَين بشكل متساوٍ أثناء دراسة العروض والتواصل معهما؟ هل كانت الشركة الثانية لتعطينا سعراً أقل بنفس الشروط؟ وهل نشر التقرير التقني؟

 

سادساً، هل سجل اعتراض أي من الشركات التي كانت تنوي التقدم إلى المناقصة؟ وذلك على غرار ما حصل مع دفتر شروط البواخر، حيث كان يرِد إدارة المناقصات اعتراضاً بمعدل شبه يومي على أن هناك بنوداً في دفتر الشروط مفصلة على قياس البعض. مع العلم أن الاعتراض ليس مؤشراً حاسماً على سوء دفتر الشروط، وعدم وجود اعتراض لا يعني صحة الدفتر بالمطلق. وبحسب المعلومات فانه لم يصل إدارة المناقصات أو حتى ديوان المحاسبة أي اعتراض على دفتر إطلاق مناقصة تلزيم محطة الحاويات.

 

ضرورة تعديل أنطمة بعض المرافق العامة

 

مشكلة المشاكل في لبنان هي أن 5 في المئة فقط من عقود الدولة كانت تمر عبر إدارة المناقصات. هذا التجاوزات لسلطة الرقابة من المفترض أن تنخفض مع بدء تطبيق قانون الشراء العام ابتداء من تموز 2022، إلا أنها مع الأسف لن تلغى كلياً. فأنظمة بعض المرافق العامة مثل المرافئ والصناديق والمجالس ما زالت لا تأتلف مع قانون الشراء العام. ومن المفترض تبديل أنظمتها الموضوعة بمراسيم للتوافق مع قانون الشراء العام الذي يملك قوة تنفيذية أكبر.

 

صحيح أن الاتفاق بالتراضي لادارة وتشغيل وصيانة محطة الحاويات في مرفأ بيروت، فضح السعر الهائل الذي كانت تتقاضاه الشركة السابقة، إلا أنه من جهة أخرى أثار تساؤلات عما إذا كان التلزيم حصل بالتراضي أم بالتغاضي!