إستمرار الوضع اللبناني المأزوم بدون حل يثير قلق الغرب والشرق
بيروت مرشحة لأن تشهد قريباً أشبه بـ «تحالف» من أجل لبنان
الزيارات المرتقبة للبنان تشمل مسؤولين بريطانيّين وأميركيّين وروس خلال أسابيع
فيما يستمر لبنان غارقاً في خلافاته ومناكفات سياسييه، وفيما تتراكم فضائح نهب المال العام وليس آخرها فضيحة شبكة الانترنت غير الشرعية، بعد فضيحة النفايات والمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي إلى السجال الناري حول ممارسات وزير الخارجية إبان زيارة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لبيروت، وليس إنتهاء بالتشريع النيابي الذي دخل مجدداً في بازار المساومات السياسية ولا بعقم هيئة الحوار الوطني وعجزها عن اجتراح حل لأزمة الانتخابات الرئاسية، فيما يستمر هذا الوضع ينخر في جسم الجمهورية ينتظر ان يشهد هذا البلد في الأيام والأسابيع القليلة المقبلة حركة زيارات لمسؤولين غربيين كبار أولهم وزير خارجية بريطانيا فيليب هاموند الذي يصل إلى بيروت في الساعات القليلة المقبلة في زيارة رسمية يلتقي خلالها كبار المسؤولين كما ينتظر ان يصل إلى العاصمة اللبنانية مسؤولاً أميركياً وآخر روسياً، بحيث تشكّل هذه الزيارات الثلاث نوعاً من تحالف شبه دولي، دفعاً للجهود التي بذلها الأمين العام للأمم المتحدة على خط دعم الاستقرار الأمني والسياسي لهذا البلد المنكوب بعقم رجالاته، عبر تسريع انتخاب رئيس جمهورية وتحصين مؤسساته الدستورية بإعادة انتظامها بعد اخراجها من حال الشلل الذي يضربها منذ نحو عامين.
ومن باب أولى ان يحث هؤلاء الزوار المسؤولين والقيادات السياسية كافة على ضرورة تجاوز مصالحهم الخاصة، ورهاناتهم الخارجية من أجل الحفاظ علي المصلحة الوطنية العليا والمتمثلة بالاستحقاقات الرئاسي كبند أوّل، ولفت هذه القيادات إلى مشاكل العالم الكثيرة التي لم يعد بلدهم أولوية فيها، بالمقارنة مع المشاكل التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط وتعقيداتها الكثيرة.
ومن باب أولى أيضاً ان يحمل هؤلاء المسؤولون الأجانب القيادات اللبنانية مسؤولية تردي الوضع الداخلي إلى درجة بات يخشى من استمرارها على مصير الجمهورية، لا سيما وانهم ما زالوا يتلهون بمناكفاتهم السياسية ويتسابقون على إنهاك بلدهم في كل المجالات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية من دون أي اعتبار لمخاطر ذلك ليس على الدولة وحسب وإنما على الوجود والكيان.
وتأتي هذه الزيارات المرتقبة للمسؤولين الأميركيين والروس والبريطانيين، بعد أقل من أسبوع أو أسبوعين لزيارة الأمين العام للأمم المتحدة التي جاءت في السياق نفسه، أي في إطار حث المسؤولين والقيادات اللبنانية كافة على تحمل مسؤولية حل أزمة بلدهم بأنفسهم، وعدم تركها للدول الخارجية والإقليمية ذات المصالح المتعارضة والتي تحاول الاستفادة من الوضع اللبناني المأزوم، وتوظيفه لمصالحها السياسية في المنطقة بصرف النظر عن تداعيات ذلك على مجمل الوضع اللبناني راهناً ومستقبلاً. كما تأتي قبل الموعد المرتقب لزيارة الرئيس الفرنسي هولاند في شهر نيسان المقبل، في مهمة لا تختلف عن مهمة المسؤول الأممي والمسؤولين الاميركيين والروس والبريطانيين، فضلاً عن الاهتمام الخاص التي توليها فرنسا للبنان وحرصها الدائم على استقراره وازدهاره وتقدمه بقدر حرصها على بقائه نموذجاً للتعددية والتعايش في هذه المنطقة التي باتت محكومة باحادية الديمغرافيا.
وسبق للرئيس الفرنسي ان مهّد لزيارته إلى العاصمة اللبنانية ان استقبل في قصر الاليزه عددا من القيادات اللبنانية والسياسية، كما استقبل البطريرك الماروني مار بشارة الراعي، وكانت دعوته إليهم صريحة بضرورة تجاوز خلافاتهم والتعالي على المصالح الشخصية حفاظاً علي المصلحة الوطنية العليا المهددة من الداخل بسبب استمرار الخلافات على الانتخابات الرئاسية، من جهة، وربط هذا الاستحقاق بإرادة إقليمية وخارجية من جهة أخرى مع علمهم، بما يترتب على هذه الرهانات من تداعيات ومخاطر على بلدهم ووجوده، وهذا الكلام نفسه سيسمعه المسؤولون والقيادات اللبنانية من الرئيس الفرنسي خلال زيارته المرتقبة إلى بيروت، وربما ذهب إلى أبعد من ذلك في صراحته مع هذه القيادات بناء على ما هو متوفر عند فرنسا من معطيات تتعلق بالمنطقة، وما يعد لها على الطاولة الدولية، وما يحكي عن خرائط وتقسيمات جديدة بين كونفدرالية وفيدرالية وحكم ذاتي ولا مركزية موسعة وكلها تصب في خانة واحدة هي تقسيم المقسم في منطقة الشرق الأوسط.
وما نقلته وسائل الإعلام الروسية والعالمية من كلام لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال استقباله أمس لزعيم تيّار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري الذي يزور حالياً موسكو من ان بلاده ترحب وتحرص على ان يتمكن لبنان من التغلب في أسرع وقت ممكن على الأزمة الداخلية التي يُعاني منها بنفسه وبعيدا عن أي تأثير من الخارج، ونحن نتطلع إلى ان يأخذ جميع الشركاء الخارجيين الموقف نفسه ويحترمون هذه المبادئ وما هي سوى دليل إضافي على المخاوف التي تعتري العالم من استمرار الوضع السياسي الداخلي المأزوم، وعجز القيادات والمسؤولين اللبنانيين عن أخذ أمور بلدهم بأنفسهم بدلا من إيكالها إلى الخارج.