لعل أخطر ما في الشغور الرئاسي الذي دخل عامه الثاني، هو التأقلم مع هذا الواقع الشاذ بما يوحي ان البلاد بألف خير، برئيس جمهورية او بدونه!
وفي موازاة تشاؤم البعض ممن يرفضون انتظار انتهاء المفاوضات الاميركية – الايرانية والموعد تلو الآخر وما بينهما شهورا عدة، يتحدث بعض آخر عن مساع أوروبية (فرنسية تحديدا) يشارك فيها الفاتيكان بهدف الضغط في اتجاه اجراء الانتخابات الرئاسية في أقرب وقت ممكن. ويشارك مرجع حكومي سابق “المتفائلين” بامكان نجاح تلك المساعي لأكثر من سبب اذ يسأل: ماذا سيكون موقف مقاطعي جلسات الانتخاب، ولا سيما من يتحدثون في مناسبة وغير مناسبة عن “الحرص على الحضور المسيحي في الشرق”. ويتحدى المرجع هؤلاء سائلا إياهم: “هل يجرؤ أحدكم على البوح بالاسباب الحقيقية التي تجعله يقدم على تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان؟ ويضيف: “ليسمحوا لنا، فان اسبابهم المعلنة لتعطيل النصاب غير مقنعة، وحججهم واهية، فليس من حق أي كان، سواء في فريق 8 او 14 آذار وما يبنهما، تعطيل الانتخابات في انتظار تأمين الظروف الملائمة لتأمين وصول مرشحه الى رئاسة الجمهورية”. وثمة من يذهب بعيدا اذ يرى أن التعطيل سيستمر والمعطلون يستفيدون من الظروف الاقليمية والدولية للاستمرار في الفراغ الرئاسي وصولا الى حافة الانهيار، بحيث يفرض واقع جديد يضع البلاد أمام خيار وحيد هو البحث في دستور جديد، وخير دليل تلك التصريحات التي تتكرر بين فترة وأخرى ومن فريق 8 آذار بشكل خاص، وتدعو، تارة الى ما تسميه “عقد جديد” وتارة اخرى الى اعادة النظر في الدستور الحالي.
وبينما يتهم منتمون الى فريق 14 آذار فريق 8 آذار وتحديدا “حزب الله” بالسعي من خلال تلك الدعوات الى “تسييل حكم الامر الواقع خصوصا دستورية تكرسه”، يتهم فريق 8 آذار هؤلاء بعرقلة انتخابات الرئاسة “من خلال منع وصول الاكثر تمثيلا والاقوى في الفريق المسيحي” في اشارة واضحة الى المرشح العماد ميشال عون، كما يتهمون فريقهم بأنه “يعكس ارادة معرقلة لانتخابات الرئاسة”، غامزين من قناة المملكة العربية السعودية… وهكذا يستمر الدوران في حلقة مفرغة وتراوح الامور مكانها وهذا المشهد “سيستمر في المدى المنظور” وفق مصادر بارزة في 14 آذار، وتقول: “في الشأن المحلي يرجح التمديد شهورا للمدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء ابرهيم بصبوص”، وتشير الى أن “التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي ممكن من خلال وزير الدفاع (تأجيل تسريح) ولا يحتاج الى قرار من مجلس الوزراء”، وتؤكد المصادر نفسها ان رئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب وليد جنبلاط لم ينجح في اقناع الرئيس سعد الحريري خلال اتصال هاتفي أجراه معه في “السير” في تعيين العميد شامل روكز قائدا للجيش. وتقول إن “هذا الواقع لا علاقة له على الاطلاق بشخص العميد روكز وكفاءته ومناقبيته، بل ان الرئيس الحريري يرى أنه لا يجوز تعيين قائد للجيش في ظل الشغور الواقع في رئاسة الجمهورية، ومن الضروري ان يكون للرئيس المقبل الرأي المرجح في اختيار قائد الجيش وهذا أمر بديهي وليس جديدا”.
وفي العودة الى الدعوات الى تعديلات دستورية واعطاء “مؤتمر الدوحة” مثلا، يقول مرجع سياسي لـ”النهار”: “شتان ما بين الوثيقتين: وثيقة الوفاق الوطني المعروفة باتفاق الطائف وبين اتفاق الدوحة، فاتفاق الطائف كان بمثابة ميثاق جديد اعاد النظر في الخطوط العامة للنظام السياسي في لبنان، فيما اتفاق الدوحة كان محطة مهمة أنهت خلافات مستحكمة بين الفئات السياسية والحزبية في مرحلة معينة من الازمة السياسية التي عصفت بالبلاد وبعد أحداث 7 أيار المشؤومة، فنص على انتخاب رئيس للجمهورية واقامة حكومة وحدة وطنية تجمع أطراف النزاع وقد طبق اتفاق الدوحة ولم يطبق اتفاق الطائف في جوانب مهمة منه، لا مجال لتعدادها في هذا السياق.
وبعد، هل تحتاج البلاد الى دستور جديد أم الى اتفاق دوحة آخر؟
المؤكد أنها تحتاج الى صدمة كهربائية… بالمعنى الايجابي!