الممارسة العونية تزداد حدّة مع دخول فرنجية منافساً جدياً للرئاسة ومدعوماً من «المستقبل»
إستمرار التعطيل لتخيير الخصوم بين إنتخاب عون أو الدوران بالفراغ القاتل
اليوم، يلاحظ النهج وسلوكية التعاطي الديماغوجي العونية نفسها في مقاربة مشكلة النفايات التي باتت تهدّد بكارثة صحية وبيئية تطال الشعب اللبناني برمته
لا يختلف إثنان على تشبيه ممارسات وتصرفات وزيري «التيار العوني» في الحكومة الحالية، جبران باسيل وإلياس بوصعب الديماغوجية بخصوص المسائل والقضايا المطروحة، بسلوكيات رئيس تكتل «الاصلاح والتغيير» النائب ميشال عون الذي لم ينفك منذ توليه مقاليد العمل السياسي في مخاصمة كل من لا يتفق معه بالرأي أو يعارضه بالسياسة أو حتى من يقف عائقاً أمام طموحاته السلطوية، إن كان بالوصول إلى سدة الرئاسة الأولى أو في الحصول على المنافع المادية والمكاسب الخاصة، حتى ولو أدى ذلك إلى الإضرار بالمصلحة العامة لكل اللبنانيين أو استمرار المخاطر الداخلية والخارجية على الوطن كلّه كما حصل أكثر من مرّة منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي من خلال استدراج التدخل العسكري السوري أو في تأجيج نيران الاقتتال والحروب الداخلية.
ومنذ حلول موعد الانتخابات الرئاسية قبل أكثر من عام ونصف وحتى اليوم تتكرر تصرفات وأساليب السلوكية العونية عينها بالتعاطي مع الملفات والقضايا المطروحة وكأن التاريخ يُعيد نفسه وكل ذلك على حساب الدولة والوطن والمواطن على حدّ سواء كما يلمس معظم اللبنانيين ومهما كانت النتائج الكارثية لمثل هذه السلوكية المدمرة.
فالبداية كانت في تعطيل جلسات مجلس الوزراء للحكومة الحالية، تارة تحت شعار «صلاحيات رئيس الجمهورية» والخلافات التي أثيرت بخصوصها وكيفية تطبيقها في ظل غياب الرئيس، وتارة أخرى تحت شعار إدراج بند «التعيينات الأمنية والعسكرية» على جدول أعمال الجلسة في محاولة عونية مكشوفة لتصفية الحسابات مع بعض هذه القيادات وتحديداً قائد الجيش الحالي لمنع التمديد له لفترة إضافية وتوطئة لتعيين صهر النائب عون في قيادة الجيش، وعندما فشلت هذه المحاولات المكشوفة، تمّ تعطيل جلسات مجلس الوزراء، كما تمّ التعطيل المتعمد لانتخابات رئاسة الجمهورية بالتواطؤ مع «حزب الله» لمنع وصول أي مرشّح غير النائب ميشال عون لسدة الرئاسة الأولى.
لم تقتصر الأمور عند هذا الحد، بل تعدتها إلى السعي الحثيث من قبل «التيار العوني» وزراءً ونواباً إلى تعطيل جلسات المجلس النيابي تحت حجج ومبررات مختلفة لإعاقة انعقاد الجلسات، تارة لإقرار مشروع قانون الانتخابات الذي لم يُتفق عليه بعد وتارة لتمكين الشعب من انتخاب رئيس الجمهورية مباشرة وهذا يحتاج بالطبع لتعديل دستوري غير متوفر إطلاقاً بسبب معارضة معظم الكتل النيابية عليه، وأخيراً المطالبة بإدراج مشروع قانون استعادة الجنسية للمغتربين اللبنانيين في صدارة المشاريع المطروحة على جدول أعمال الجلسة النيابية التشريعية السابقة والذي أقرّ كجائزة ترضية بالرغم من محدودية مؤثراته ومفاعيله الإيجابية وخلافاً لكل الضجيج والمعارك الوهمية التي اثيرت بخصوصه من قبل العونيين وغيرهم.
واليوم، يلاحظ النهج وسلوكية التعاطي الديماغوجي العونية نفسها في مقاربة مشكلة النفايات المعقدة والمستمرة منذ الصيف الماضي والتي باتت تُهدّد بكارثة صحية وبيئية تطال الشعب اللبناني برمته، فكل طرح مرفوض مسبقاً وبأعذار مختلفة على الدوام.
ومنذ انفجار هذه المشكلة، كانت السهام موجهة ضد شركة «سوكلين» التي كانت تتولى مهمة جمع النفايات من العديد من المناطق اللبنانية، وتم إلصاق شتى التهم بحقها من قبل «العونيين» تحديداً وبعض الجهات والأطراف الأخرى والادعاء بأن ما تتقاضاه من أموال للقيام بالمهمات المنوطة بها يفوق بكثير الأسعار العالمية وما إلى ما هنالك من أقاويل وادعاءات، ثم توالى رفض العروض المقدمة من الشركات الجديدة للقيام بمهمة جمع النفايات وصولاً إلى رفض تحديد أي مطمر للنفايات في مناطق نفوذ «التيار العوني» أسوة بباقي المناطق الأخرى، وهكذا فشلت كل الاقتراحات ومشاريع الحلول المطروحة لحل المشكلة.
ومؤخراً، وعندما تمّ الإعلان عن انتهاء اللجنة الوزارية المكلفة بإعداد التصور المطلوب لترحيل النفايات الى خارج لبنان من مهمتها، بادر الوزير الياس بو صعب على الفور بإطلاق النار على هذا التصور معلناً رفضه المسبق لما توصلت إليه اللجنة حتى قبل ان ينعقد مجلس الوزراء ويطلع على تفاصيل الخطة ومضمونها ومدعياً بأنها غير قابلة للتطبيق بحجة ارتفاع الأسعار وغير ذلك.
ويستدل من هذه الوقائع المثبتة تباعاً ومنذ حدوث الفراغ الرئاسي ان الهدف من هذه الممارسات العونية الغوغائية والمستندة إلى التأييد الضمني لحزب الله، ممارسة شتى الضغوط على الخصوم السياسيين والطاقم السلطوي وتخييره بين الاذعان لمطلب «التيار العوني» الأساسي بانتخاب عون رئيساً للجمهورية أو الغرق في متاهة الفراغ لكل المؤسسات الدستورية والانهيار التدريجي لكل مقومات الدولة.
وهذا الواقع يتفاعل اليوم ويزداد حدّة مع دخول المرشح النائب سليمان فرنجية منافساً قوياً للنائب عون ومن التحالف نفسه ولكنه أوفر حظاً باعتباره مرشّح تسوية ويحظى بقبول وتأييد كتلة تيّار المستقبل، الامر الذي لم يتوفر لمنافسه عون طوال المرحلة الماضية.