Site icon IMLebanon

مستمرون على نهج عميد «اللواء»

لا شك أن مشاعر التعاطف والتضامن التي أحاطنا بها الزملاء والأصدقاء معزين بفقدان عميد «اللواء» قد ساعدتنا على تحمّل صدمة الفاجعة، خاصة ونحن أصلاً من المؤمنين، المُسَلِّمين بقضاء الله وقدره.

لقد التقينا مع كثير من الشخصيات السياسية وأهل الفكر والثقافة على اعتبار أن غياب الراحل الكبير لا يعني فقدان قلم صريح وجريء وحسب، بل يشمل غياب مجموعة من المبادئ والقيم الأخلاقية والوطنية والاجتماعية، سطّرت سجلاً مشرقاً لصاحب شخصية مميزة نذرت حياتها في خدمة مجتمعها، وفي الدفاع عن وطنها.

كانت بيروت معشوقته الدائمة، يحرص على صورتها الوطنية المشرقة، حرصه على نفسه، حيث كان يعتبر أن قلب الوطن إذا كان بخير، فلبنان كلّه يكون متمتعاً بالأمن والأمان.

صورة بيروت لا تكتمل بالنسبة لعشيق العاصمة، إلا في إطار واحد يضم جناحي مدينة النور والإشعاع، ونسيجهما الوطني المتعدد الألوان، وكان لا يكتمل العقد عنده إلا بحضور رموز العائلات البيروتية مسلميها ومسيحييها، بكل مذاهبهم وانتماءاتهم.

خاض غمار بناء مسجد محمّد الأمين، واستمرت الحملة أشهراً طويلة، قبل أن يتبنى الرئيس رفيق الحريري المشروع بكاملة ويُحوّله إلى صرح هندسي أصبح معلماً بارزاً من معالم العاصمة.

تصدّى لكل مَن كان يعرقل مشاريع العاصمة، وكان يتابع حملته واتصالاته، حتى يزيح المعرقلين عن دروب التنفيذ!

عشقه لبيروت لم يشغله عن الاهتمام بالمناطق الأخرى، من طرابلس إلى صيدا إلى الإقليم والبقاع، ومن جونيه وجبيل إلى زحلة وبعلبك والهرمل، فكانت ملاحق المناطق: الفيحاء والشمال، صيدا والجنوب، زحلة والبقاع، تجربة فريدة ورائدة في الصحافة اللبنانية، واكبها انتشار لمكاتب «اللواء» والمندوبين في كل المحافظات، وفي معظم الأقضية المناطقية.

* * *

كان عبد الغني سلام يفتخر بعروبته مثل اعتزازه بلبنانيته، معتبراً أن العمل الوطني لا يكتمل إلا بالمدد القومي، وأن الحركة القومية وقـودها الأساسي يبقى الالتزام الوطني، المنزّه عن المنفعة والغرضية.

واستطاع من خلال هذه الرؤية الواعية لأهمية التلاحم بين الوطني والقومي، أن يُقيم مروحة علاقات واسعة مع حركات التحرّر العربي، من الجبهة الوطنية في الجزائر غرباً، إلى جبهة تحرير اليمن الجنوبي شرقاً، وبقيت القضية الفلسطينية هي محور كل القضايا من المحيط الى الخليج.

الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات كان يعتبره من مؤسسي حركة «فتح»، لحضور الاجتماعات التي سبقت تنفيذ العملية الأولى في الأول من كانون الثاني 1965، ولكن علاقته الأخوية بـ «أبو عمّار» وقادة «فتح» لم تنل من عزيمته الدائمة للتقريب بين قادة الفصائل الفلسطينية!

وهي العزيمة ذاتها التي كانت تتصدّر جهوده في الملمات العربية، مستغلاً كل بارقة أمل تلوح في الأفق البعيد لتحسين العلاقة بين دمشق وبغداد، لإدراكه أهمية التعاون بين البلدين الشقيقين الجارين، في المجابهة المستمرة ضد العدو الإسرائيلي. ولكن الرياح في هذا المحور كانت دائماً تعاكس جهود التواصل بين خلفاء الأمويين والعباسيين!

* * *

استشعر باكراً مخاطر اندلاع موجات الغلو والتطرّف تحت ستار العودة إلى الإسلام، اثر انحسار المد القومي في أواخر السبعينات، بعد وفاة الزعيم جمال عبدالناصر، فشجّع تخصيص مساحات من صفحات «اللواء» للفكر الديني الصحيح، القائم على الحوار والموعظة الحسنة والاعتدال.

وما أحوجنا اليوم إلى هذا النهج الطليعي والواقعي الذي أطلقه عميد «اللواء» منذ السبعينات من القرن الماضي.

عبدالغني سلام لم يكن ناشراً وصحفياً وحسب، بقدر ما كان صاحب مدرسة في الالتزام والأخلاق والعمل الوطني والقومي النظيف.. سنستمر على دربها، ونرفع رايتها.. إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.