في تبرير المندوب السوري لدى الامم المتحدة لقصف مستشفى تديره منظمة “أطباء بلا حدود” في ادلب ذهب ضحيته أكثر من 11 شخصا، قال السفير بشار الجعفري إن هذه المنظمة تعمل لمصلحة المخابرات الفرنسية، وان هذا المستشفى المزعوم، وفق كلامه، أقيم من دون أي تشاور مع الحكومة السورية، ويتحمل تاليا مسؤولية القصف الذي تعرض له. ثم أشار الى ان التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة هو من شن الغارة الجوية التي استهدفت المستشفى. هذا الموقف يذكّر بمثل شائع عن استيضاح أحد الاشخاص سبب غياب آخر، فيقول هذا الشخص ان هناك ثلاثة اسباب مانعة لمجيئه، اولها انه أصيب برصاصة في صدره في طريقه الى المكان المقصود، وثانيها… فأوقفه السائل لأنه لم يعد من داع لذكر السببين الآخرين. وتاليا، إذا كان التحالف بقيادة الولايات المتحدة من قصف المستشفى فلا ضرورة لتبرير الجعفري استهداف مستشفى، بل كان ليكون محل ادانة من جانبه لاستهداف مستشفى حيث يعالج المصابون، وهو لم ينف انه كذلك في مطالعته، علما ان المستشفى قد يكون اقيم وفق مطلعين من دون تشاور مع النظام من اجل عدم استهدافه من جانب قواته. فالنظام السوري كما روسيا يبرر استهداف المستشفيات والمدنيين من دون ان يحرك ساكنا لدى الدول الخارجية، علما أن ما يجري يساهم في تهجير طوائف بأسرها من مناطق ينوي ألا يبقى فيها غالبية طائفية غير موالية له. وسبق لوزير الخارجية سيرغي لافروف في ميونيخ ان تحدث عن الهاربين من حلب وجوارها الى الحدود مع تركيا نتيجة القصف الروسي، وقال إنهم من الثوار، وهو ما يبرر استهدافهم في رأيه، على رغم أن هذا ينطوي على إقرار بأن هناك ثوارا لا إرهابيين فقط يعارضون النظام. لكن المنطق من الجانبين الحليفين يظهر غياب العقلانية في أي تبريرات تؤدي الى قتل الناس الابرياء، شأنهما في ذلك شأن غياب التبريرات لدى الولايات المتحدة من أجل إنقاذ السوريين. ففي الاسبوعين الاخيرين أبدت المملكة السعودية استعدادها لتدخل بري في سوريا من أجل محاربة تنظيم “الدولة الاسلامية”، فيما المعلومات تستمر عن طائرات سعودية توجهت الى تركيا ايضا بهدف الاستعداد لذلك في رسالة صريحة الى الادارة الاميركية التي تتذرع بأنها لن تتدخل عسكريا أو بريا في سوريا لأن هناك من هو على استعداد لذلك من الدول الاقليمية الحليفة للولايات المتحدة والتي تربط مصالحها بقوة بمعادلة تغيير المعادلة على الارض التي تسعى اليها روسيا من خلال تمكين النظام وحلفائه من الميليشيات والتنظيمات الداعمة من اعادة السيطرة على حلب. وفيما تحدثت كل من تركيا والمملكة السعودية عن تدخل لن يحصل الى تحت سقف التحالف التي تقوده الولايات المتحدة، في اشارة الى ضرورة ان تعمد ادارة باراك اوباما الى المساعدة في عدم تغيير المعادلة القائمة على الارض في سوريا وتاليا في المنطقة، فإن روسيا عمدت منذ تشرين الاول الماضي الى التحذير من حرب عالمية ثالثة او جديدة، وكان آخر تحذيراتها في هذا المجال على لسان رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف من ميونيخ، والذي يشجعها على المضي في حربها لإنقاذ النظام وتمكينه مجددا، هو قرار ادارة اوباما الحاسم والنهائي عدم التدخل او الانخراط في سوريا. والتهديد او التحذير من حرب عالمية جديدة ليس جديا او واقعيا، إنما يسعى من خلاله الروس الى ردع الرئيس اوباما او تخويفه من المسعى الذي يتطلبه دعم تدخل بري سعودي – تركي في سوريا، لتوظيف تردده في هذا الاطار من أجل منع تحقيق ما يعرقل تنفيذ روسيا اهدافها في سوريا. وهناك تجاذب او كباش واضح عماده التصعيد الروسي التركي في الدرجة الاولى، علما أن الخبراء السياسيين يجزمون بعدم قدرة روسيا على خوض حرب عالمية ازاء الولايات المتحدة، أولا لخلل هائل في ميزان القوى بين اميركا وروسيا على رغم معرفتها بعقيدة اوباما المبتعدة عن الحروب الخارجية أصلا، بالاضافة الى أنه يعتقد أن قدرتها على إحراز إنجازات في سوريا لمصلحتها ومصلحة النظام قد لا تطول مع وضع اقتصادي يكابر فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع استمرار العقوبات او تأكيد أوروبا العقوبات على روسيا بسبب تدخلها في اوكرانيا. لكن روسيا ايضا لا يناسبها تدويل الازمة السورية في حال حصول تدخل بري، لان له تبعات مؤذية سياسيا وميدانيا ايضا.
وما يجري راهنا يكتسب أهمية خطيرة وبالغة الاهمية في تطور الوضع في سوريا، وتاليا في المنطقة، في ظل سعي روسيا وإسراعها في الوقت نفسه الى تحقيق انجازات تضمن فيها منطقة نفوذ لها يسيطر عليها النظام، تحت طائل ان اي دخول بري، ولو كان تحت عنوان مواجهة تنظيم “الدولة الاسلامية” وفق ما أعلنت السعودية، وبرعاية أميركية، إنما يعني دخول سلاح يمكن ان يتهدد الطائرات الروسية التي تقصف المناطق السورية، بحيث لن يسمح للمعارضة ان تنتصر على النظام، لكن يمكن ان يعيد التوازن على الارض ويمنع إرساء المعادلة التي تغلب محورا دوليا اقليميا معينا. بل ان ذلك قد يؤدي الى ستاتيكو يسمح بمفاوضات متوازنة، في حين أن ترك روسيا تنجح في تمكين النظام قد يقوي موقع روسيا في المنطقة على نحو ينقض تاريخا طويلا للولايات المتحدة في إبعاد روسيا عن المنطقة من جهة، ويساهم في اختلال توازنات خطيرة في المنطقة راهنا.