Site icon IMLebanon

الكباش المستمر في شأن التشكيل يُعيد لعبة التأليف إلى العهد السابق

الكباش المستمر في شأن التشكيل يُعيد لعبة التأليف إلى العهد السابق

الخيارات تضيق أمام الرئيسين عون والحريري والخرق بحكومة تكنوقراط

كانت عملية تشكيل الحكومات تواجه مثل هذه التعقيدات والفيتوات ما كان يؤدي إلى التأخير بضعة أشهر للوصول لصيغة مقبولة من كل الأطراف

ما أشبه اليوم بالبارحة، فالذي يحصل على صعيد تشكيل الحكومة لا يختلف بشيء عمّا كان يحصل في أيام العهد السابق حيث كان يستغرق تشكيل الحكومة أكثر من ستة أشهر بسبب الخلاف المستحكم بين القوى السياسية، وتحديداً بين قوى 14 و8 آذار على الحصص والتوازن داخل الحكومة مع احتفاظ كل فريق بحق «الفيتو» استناداً إلى دستور الطائف الذي أعطى كل طائفة من الطوائف الكبرى حق الفيتو من جهة وإلتزام رئيس الجمهورية باحترام الميثاقية في التشكيل من جهة ثانية.

وفي أيامنا هذه، يشهد تشكيل الحكومة عملية شد حبال بين القوى السياسية منذ تكليف الرئيس سعد الحريري، شبيهة تماماً بما كانت تشهده في العهد الاسبق ويلعب الفيتو المتبادل دوراً أساسياً في هذا الصراع، حتى ان البعض، ونقصد هنا الرئيس نبيه برّي المفوض من حزب الله لكي يحافظ على حقوق الطائفة الشيعية، وحلفاء الحزب كالمردة والقومي السوري، ليس من موقعه كرئيس لمجلس نواب يطلع بموجب دستور الطائف على التشكيلة الوزارية قبل إصرار مراسيمها من قبل رئيس الجمهورية بل يتصرف كرئيس للجمهورية الذي لا تصدر المراسيم الا بعد موافقته وكرئيس حكومة مكلف أيضاً، يتحكم بالتشكيلة الحكومية بما يتناسب مع مصالحه ومصالح حلفائه، بدليل إنه أوقف تشكيل الحكومة حتى الآن، رغم ان الرئيس المكلف انتهى من ترتيب نسختها الأولى بعد اسبوع من صدور مرسوم تكليفه ووضعها بين يدي رئيس الجمهورية بعدما أصر على أن تسند حقيبة الاشغال بعد المالية إلى الطائفة الشيعية وإحدى حقيبتي الاتصالات والطاقة إلى حليفه النائب سليمان فرنجية المعارض للعهد، ورهن موافقة الطائفة الشيعية على الاشتراك في الحكومة بموافقة رئيسي الجمهورية والمكلف على الاستجابة لشروطه، الأمر الذي أدى إلى تعثر صدور مراسيم تأليف الحكومة مراعاة من الرئيسين للميثاقية التي تنص صراحة على وجوب ان تتمثل الطوائف الرئيسية في أية حكومة تشكّل.

وبالعودة إلى العهود السابقة كانت عملية تشكيل الحكومة تواجه مثل هذه التعقيدات والفيتووات، الأمر الذي كان يؤدي إلى التأخر بضعة أشهر حتى الوصول إلى صيغة مقبولة من كل الأطراف وذلك على حساب مسيرة الدولة وحركتها الاقتصادية والتنموية باعتبار ان هذه الحركة محكومة بالتوقف عن الدوران إلى ان تزول غمامة الاختلاف على تشكيل الحكومة، وبالمقارنة مع ذلك الماضي، ومع ما يحصل اليوم، يظهر انه برغم مرور شهر على انتخاب رئيس للجمهورية، ما زال البلد محكوماً بالجمود، وما زالت الدولة معطلة بكل مؤسساتها بمن فيها مؤسسة مجلس الوزراء بعدما تحوّلت الحكومة مع قيام عهد جديد إلى حكومة تصريف أعمال لا تملك حق اتخاذ أي قرار من القرارات المهمة وحتى الصغيرة منها التي تبقى من ضمن صلاحيات حكومة تصريف الأعمال، وحتى الآن لا يوحي الجمود المستحكم بملف التأليف بأي انفراج في المدى المنظور ما من شأنه ان يحول الهواجس التي أخذت تنتاب المواطنين إلى حقيقة ثابتة الا إذا طرأت مفاجأة ما، حملت الرئيس برّي إلى رفع الفيتو والسماح لرئيس الجمهورية باصدار مراسيم تشكيل الحكومة بالتوافق مع الرئيس المكلف، الأمر الذي لا يزال مستبعداً حتى الآن استناداً الى ما نقله عنه عدد من النواب أمس من أن المشكلة في التأليف ليست في ملعبه بل في مكان آخر.

فهذا الكلام الذي نقله نواب لقاء الأربعاء عن الرئيس برّي لا يوحي بإنفراجات قريبة، بل يُؤكّد على المؤكد وهو أن رئيس المجلس ما زال متمسكاً بشروطه التي تمنع الحكومة من أن تبصر النور في القريب العاجل ويفرج عن العهد الذي رغم مرور شهر على انتخاب الرئيس ما زال مكبلاً وعاجزاً عن فتح ورشة الإصلاح والتغيير التي وعد بها إبان انتخابه رئيساً للجمهورية بناء على تسوية داخلية وخارجية فرضتها ظروف المتغيّرات التي يشهدها الإقليم وبالأخص في سوريا الجارة القريبة والشقيقة، ما ترك الباب مفتوحاً أمام طرح أسئلة كثيرة عن المستقبل وحوله، تختلف تماماً وكلياً عن تلك التي طرحت غداة الانتخابات الرئاسية، مع العلم بأن ثمة فريقاً من اللبنانيين ما زال يتأمل بانقشاع كل هذه الغيوم في حال لم يستسلم العهد والحريري لمشيئة مريدي تعكير صفو المسيرة وترويض العهد والاقدام قبل فات الأوان على تشكيل حكومة بغض النظر عن تسميتها بالأمر الواقع أم الدستورية أم التكنوقراط، وعلى أساس هذا التمني تتوقع أوساط سياسية ألاّ ينجرّ أركان العهد وتحديداً رئيس الجمهورية والرئيس المكلف إلى لعبة استنفاد رصيد العهد بالمماطلة أو بفرض الشروط والتعجيزية موضحة انهما يعدان للخيارات البديلة، ومن بينها تشكيل حكومة تكنوقراط من ضمن المحافظة على الميثاقية وعلى ما نص عليه اتفاق الطائف، تضطلع بمهمة أساسية عنوانها وضع قانون انتخاب والاشراف على الانتخابات النيابية في موعدها في حال أصر الفريق المعرقل على الذهاب في مسار العرقلة والتعطيل ولم يعد إلى الالتزام بقواعد اللعبة الواقعية لتشكيل الحكومة وخصوصا ان رئيس الجمهورية أعلن منذ البدء ان هذه الحكومة هي حكومة انتخابات وليست حكومة العهد الأولى التي يجب ان تولد بعد الانتخابات النيابية وعلى ضوء ما تفرزه نتائج هذه الانتخابات من معادلات جديدة داخل مجلس النواب، علماً بأن الجميع بات يعلم بأن جبال العراقيل في وجه الحكومة، هي سياسية وليست تقنية.