Site icon IMLebanon

نفايات مستمرة تغطّي على «نفايات» مستقرّة

تبقى أيامنا هذه رغم القرار الوزاري الأخير الذي عين أماكن محددة لطمر النفايات أيام «زبالة» بامتياز.

جلسة مجلس الوزراء التي شهدت إجتماعا وزاريا شبه كامل النصاب، وقد أشار بصددها، بعض الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي «طويلة اللسان»، إلى أن الحكومة العتيدة لو انتظرت بعض الوقت لكان بإمكانها ان تعتبر جلسة يوم السبت الماضي بمثابة «عيد ميلاد» تطفيء خلاله شمعة مرور عام كامل على ميلاد أزمة الزبالة بطبعاتها وتطوراتها الأخيرة، والتي أطلق عليها في الوقت نفسه، أزمة الزبالة السياسية، فهي قبل أن تكون كوما من النفايات ، يتناقل صورها الباهرة وأخبارها الآسرة، الإعلام الدولي بأسره فضلا عن الإعلام الإقليمي والمحلّي، هي أزمة حافلة بالأسرار والتخفّي والتلطّي وراء هذه الحكومة المسكينة، بينما هي في الواقع المؤسف أزمةٌ أبطالها ساسة وزعماء وأحزاب وطوائف ومذاهب، لن يتركوا لهذا البلد لقمةً حلالاً لأبناء هذا الشعب المنكوب، وهم قد تنادوا على ضوء قرارات مجلس الوزراء الأخيرة، إلى التحالف والتعاضد فيما بينهم ضد أي تحرك يقفل عليهم أفواههم وجيوبهم ومسالك مصالحهم، كما تنادوا كل من موقعه إلى القيام بكل ما تدفعهم بقراراتهم الخاصة والمتخصصة في وضع العراقيل أمام نهضة هذا البلد وإنقاذه وخلاصه عن طريق التصلب والتعنّت والعناد والمشاكسة مع كل خصم لهم يحجب عنهم نورَ الشمس ووهجَ الدولار وجلال المواقع السياسية وأبّهة المواقع الإجتماعية.

بعد طول انتظار، وبعد أن قاربت طبخة الحل المقترح للتخلص من النفايات، إجتمع مجلس الوزراء برئاسة رئيس الحكومة، ورئيس الجمهورية بالنص الدستوري، ومن حوله بقية الوزراء الرؤساء (أربعة وعشرون رئيس جمهورية) واتخذوا القرار العتيد الذي اختار ثلاثة أماكن، معتبراً أنّها الأقل مقاومة وصمودا في وجه انتقائها كأماكن لمطامر النفايات، ورغم الجهود الحثيثة التي بذلت من الرئيس سلام والوزير جنبلاط والوزير أبو فاعور، فضلا عن جهودٍ قام بها الرئيس سعد الحريري، وذلك بهدف تمرير هذا القرار، ورغم التفاؤل النسبي الذي ما زال مستمرا بهذا الخصوص، فقد قامت جملة من القيامات عليه، والقائمة قيامتهم ما زالوا هم أنفسهم، بعضٌ من زعماء الطوائف والمذاهب والأحزاب الذين طاولت مناطقهمْ ومصالحهمْ تلك الإختيارات التي وقَعَتْ على مناطقهم بدلاً من مناطق الآخرين، فراحوا يطلقون نفس الحجج ونفس البيانات ونفس الآراء الدفاعية، التي سبق لهم أن أطلقوها، بعضها يتسم بشيء من الموضوعية، وأغلبها سياسي شعبوي يبتغي استرضاء الناس والفوز بأصواتهم البلدية والنيابية المقبلة، وبقي الآخرون الذين «زمطوا» من القرار الحكومي وبقيت مناطقهم خارج نطاقه، هادئين طائعين، وبقي الحراك الشعبي الذي بدأ مع بداية الجدّيات الأخيرة التي دفعت إلى تحرّكاتٍ شعبية مختلفة وغضبٍ لدى الناس، وصلَ إلى حدّ التهديدِ بما يشبه العصيان المدني، إذا لم توضّح هذه الحكومة العتيدة رأيها وقرارها بحيث تضفي عليه تعديلات على بعض أسسه، وتركزه على قواعد مدعّمة بموقف الخبراء الدوليين والحياديين الذين يضمنون إمكانية إيجاد حلٍ حقيقيٍ وناجعٍ ودائم لأزمةٍ تكاد أن تقلب هذا البلد بكل عناصره ومعالمه وحضارته، إلى أكوام من الزبالة. والذي أشعل الأزمة أكثر مما هي مشتعلة، ما قررته الحكومة لجهة المدة اللازمة لتنفيذ هذا القرار حيث حددتها بأربع سنوات، الأمر الذي أبرز عنصر الثقة المفقودة بالقرارات الرسمية عموما وبهذه الحكومة التي طال عمرها وكثرت أخطاؤها بعد أن جيء بها لملء فراغ رئاسي، فكانت هي برؤساء جمهوريتها الأربع والعشرين جزءا أساسيا من هذا الفراغ الذي تكوّم مع الوقت، حتى لكاد أن يلغي وجودها من أساسه. وبالرغم من أن الحراك الشعبي قد جاء معاندا لفشله الأول في مقاومة الخلل والشلل القائم في إطار الحكم والحكومة، إلاّ أن الواقعية والموضوعية تقتضي منا الإقرار بأن آذان الناس، باتت أكثر إصغاء للأقوال والتوجهات المعارضة. صحيح أن بعضها ما زال على نشازه وما زالت له مطالب مستغربة وغير واقعية نغصت وتنغص على المعارضين في الكثير من مطالبهم ومواقفهم المتقاربة مع مواقف الرأي العام اللبناني عموما، إلاّ أنه باب شعبي وقد فتح، خاصة وأن الأبواب الرسمية ما زالت ضبابية النتائج على المستوى الواقعي، وأن الحلول الحكومية ما زالت مطعونا بها وغير حائزة على شمولية الموافقة وعلى الثقة بصدقيتها وجديتها وإمكانات تنفيذها.

ويبقى ضحية ذلك كله قبل أية ضحية، ذلك الرئيس الآدمي المسجون في لهيب هذه الحكومة التي تعامل على أنها حكومة عادية، بينما هي حكومة مؤقتة بصلاحيات مؤقتة، شاء القدر أن تعيش كل هذه الأشهر الطويلة وسط هذا الهاجوج والماجوج من التناقضات والمشاكسات والإحترابات، وفي هذا الوقت يتحرك جميع رؤساء الجمهورية الأربعة والعشرين الذين تضمهم، كل منهم في إطار خطته المصلحية والشخصانية، بعد أن صدّق نفسه بأنه بات بالفعل رئيس جمهورية، ومعظمهم ينعم ببهرجها ووجاهيتها واستغلال إمكانياتها وخدماتها تأسيسا أو تدعيما لموقفه السياسي ونشاطاته العامة، والوحيد الذي يُقْلى ويُشْوى على نار هادئة حينا وحامية أحيانا، هو الرئيس سلام الذي يحاول أن يتحمل مسؤولياته الوطنية والدستورية إلى أقصى حد ممكن. وها هو وقد حطّ به الرحال أمام هذا القرار – الحل ، فهل يكون ما تم اتخاذه قرارا؟ وهل يمكن أن يكون حلا؟ بانتظار معرفة المكان الذي ستقلّنا إليه جملة العواصف العائمة، أخشى ما نخشاه، أن «يفعلها» الرئيس سلام ويستقيل، وبذلك تزداد البلاد غوصا في بحار أزماتها ومشاكلها القائمة والقادمة، ولعل أزمة النفايات على هولها وخطرها على سمعة البلد وصحة الناس، هي أزمة بسيطة أمام ما يفترض أنه قدرنا المقبل، وبالإنتظار، نصيح بأعلى الصوت في وجه الجميع: يا ناس… النار والمصائب على الأبواب، هلاّ انتقلنا من أحاديث وألاعيب الزبالة المقرفة إلى أحاديث أخرى وأنشطة أخرى وتوجهات وطنية حقيقية صادقة مبرمجة ومنتجة على حد أدنى من الجدية نتمكن انطلاقا منها إلى تأمين شيء من العيش الكريم وما أمكن من السعي إلى ترسيخ أعمدة جديدة لهذا البلد الذي حفرت له الأيام والكوارث حفرا لم تبق له فيها عمودا على حاله.