يفتتح المجلس النيابي عقده العادي الأول للسنة الحالية، فيتسنى له ممارسة صلاحياته كاملة بعد توقف قسري فرضه الدستور. إلا أن هذه الحرية المطلقة في ممارسة صلاحياته لا تستمر إلا لآخر شهر أيار ليعود بعدها إلى توقف قسري آخر يمتد إلى أول يوم ثلاثاء بعد 15 تشرين الأول، عملاً بأحكام الدستور. وبذلك يكون الوقت المتاح لممارسة المجلس صلاحياته تقتصر على خمسة أشهر، بينما يكون الوقت الذي لا يتاح له فيه العمل حوالي سبعة أشهر.
إن مقاربة هذا الواقع لا يمكن أن تقاس على الواقع الطارئ السائد اليوم لجهة مصادرة صلاحيات المجلس بتعطيلها من خلال المقايضة والمداورة بين الجــهات النيابــية على تعطيل نصاب الجلــسات، إنــما إلى أساس التمديد المســبق للفترات التي يجوز فيــها للمجــلس ممارســة صلاحيــاته وتلك التي تعفيه منها.
فالدستور، والقانون بصورة عامة، لا يضع نصاً من دون فائدة أو غاية ترتبط بماهية القانون أو النظام السياسي. ويبدو واضحاً من مواد الدستور أن المادة 41 التي حددت عقدي انعقاد المجلس، لا تنعكس مفاعيلها إلا لجهة تحديد بعض المواعيد، كما في المادة 86 ـ دستور التي تولي رئيسي الجمهورية والحكومة دعوة المجلس إلى عقد استثنائي لمدة شهر بعد المهلة المحددة لــدرس الموازنــة، وإذا لم يبت المجلس بالمشروع يمكن عنـــدها نشره بمرسوم، أو المادة 83 التي تحدد إحالة الموازنة إلى مجــلس النواب في بدء عقد تشرين الأول… وهكذا. إلا ان هذه الماهية التي تعتــمد صيغة العقود يمكن تسييلها إلى تواريخ محــددة باليــوم، كأن يقال إن مشروع الموازنة يحال قبل 15 تشــرين الأول من كل سنة وهكذا…
صحيح ان الأكثرية المطلقة من النواب تستطيع المطالبة بفتح عقد استثنائي ويكون طلبها ملزماً لرئيسي الجمهورية والحكومة، ولكن توافر مثل هذه الأكثريــة من نصف مجموع عدد النواب، قد لا يحصل إذا لم يكن هناك قضــية ملحة جداً، بينما في حال وجود المجلس متمكناً من ممارسة صلاحــياته فلا بد من ان يكون أمامه عشرات المشاريع والاقــتراحات المهــمة في أكثرها، وإن كانت غير ملحة التنفيذ، والمــقارنة في مثل هذه الحــالة بين مدة الفوائد المرتقبة من الاستمرار في اعتــماد العقــدين لممارسة الصلاحيات وبين إلغاء صيغة العقود ليصبح المجلس في حال تمكنه من الانعقاد على مدار السنة. فإذا كان تحديد العقدين غير صالح للمراهنة عليه بأي فائدة، فعلى الأقل يمكن لاعتــماد صيغة اللاعقود ان تكون صالحة للمراهنة عليها بجني العديد من الفوائد.
قد يقال إن رئيس الجمهورية أو مجلس الوزراء قد يعتقد، واحدهما أو الاثنين معاً، ضرورة تحييد المجلس عن قضية طارئة لضرورة ما، ولكن إذا ما سلمنا بذلك جدلاً فعندها يمكن لرئيس الجمهورية «تأجيل انعقاد المجلس إلى أمد لا يتجاوز شهراً واحداً، وليس له ان يفعل ذلك مرتين في العقد الواحد» ـ أي شهرين ونصف الشهر ـ مثل هذه الممارسة استعملت أكثر من مرة سابقاً.
وإذا كان تعديل الدستور لهذه الجهة يستعصي على القيمين عليه لأنه سيفتح «مغارة الدبابير»، فليكن البديل الموقف «اتفاق جنلتمان» بين السلطات على فتح عقد استثنائي بعد العقد العادي ويمتد إلى بدايته، على غرار ما حصل في سنوات سابقة طوال عهد رئاسي كامل. فمن يرحم النواب بانتشالهم من بطالة سبعة أشهر متتالية في كل سنة؟