في لبنان تفتقد كل المعايير، ويختلط الحابل بالنابل، فيضيع المنطق، وتصير الحقائق وجهة نظر. بالأمس قرأت لنائب رئيس المجلس التنفيذي في “حزب الله” الشيخ نبيل قاووق دعوته إلى “تعزيز الوحدة الوطنية وخصوصاً في هذه المرحلة التي تشهد عواصف الحقد، لأن المسؤول الأول عن إطالة أمد الفراغ في موقع الرئاسة الأول قوى 14 آذار. فالنيات وحقيقة المواقف انكشفت، وهذه القوى ليست جاهزة لقبول ترشيح الرئيس الأقوى وطنياً وشعبياً، بل تتعمد افتعال أزمات سياسية داخلية في البلد لترهق وتعطل وتعرقل مسار الحكومة. فلمصلحة من استنزاف وحدة وقوة لبنان وهو يخوض معركة الدفاع عن حدوده وأهله وشعبه ضد الغزوات التكفيرية؟”.
وكأن الشيخ قاووق لم يقرأ ما قاله الرئيس نبيه بري الأسبوع الماضي عندما دعا نواب “التيار الوطني الحر” للنزول الى مجلس النواب وانتخاب رئيس بدل اتهام الآخرين بالعرقلة، علماً أن هؤلاء لا ينتمون حكماً الى 14 آذار. وما لم يقله الرئيس بري علناً، هو دعوة كل المقاطعين للنزول الى المجلس، أي نواب “حزب الله” قبل غيرهم لأنهم الأداة الأكثر أهمية في تعطيل الاستحقاق الرئاسي. وإذا كان الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله يصر على أن الاستحقاق عملية داخلية لا شأن لإيران تحديداً بها، ولا للحوار الاميركي – الايراني، وانما ثمرة اتفاق، او اختلاف، لبناني داخلي، فما بال نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم يقول الأحد الماضي: “كفى تباكياً على رئيس الجمهورية، ولترفع السعودية اسم رئيس ما كي تسير عجلة البلد بشكل طبيعي، فالأمر خارجي وهم يعطلون أمر الرئاسة وهذه مشكلتهم في أنهم يؤثرون على الواقع اللبناني”.
لا حاجة هنا الى التحليل في عمق التناقضات بين مسؤول وآخر، أو التفسير بأن ثمة ارتباكاً واضحاً في النظرة الى هذا الملف الشائك الذي يحاول كل طرف فيه ان يرمي بثقله على الآخرين. لكن الحقيقة الواضحة ان ثمة من يعطل الجلسات ويمتنع عن حضورها والتصويت، وثمة من يعطل الديموقراطية التي تقضي بأن يصير رئيساً من يحصل على أصوات أكثر، لكن الخطير في الموضوع ان الحزب يعيد 7 أيار سياسيا، فإما يُنتخب مرشحه الظاهر العماد ميشال عون وإما يعطّل البلد ويضرب النظام، وصولاً الى فرض إرادة فئة على اللبنانيين جميعاً.
لعل كل هؤلاء لم يقرأوا التاريخ جيداً، ففي لبنان لم يستطع غزاة ومحتلون ان يصمدوا دهراً، وكلهم خرجوا بإذلال، وفي الداخل لم يستطع فريق أن يفرض إرادته على الآخرين، أو يلغي جماعة أو حزباً او طائفة. والأيام المقبلة، القريبة والبعيدة، كفيلة بأن تلقن دروساً مَن لم يعتبر من تجارب الآخرين.