بعد إقفال ملف التمديد للمجلس النيابي، عاد الاستحقاق الرئاسي ليفرض نفسه في واجهة الأحداث السياسية، لا سيما أن أي حوار مرتقب بين الأطراف المتقابلة لا بدّ وأن تتصدّر الانتخابات الرئاسية جدول أعماله. ولا يجب في هذا الإطار إلا التوقّف عند الكلام الذي كان قد أطلقه نائب الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، والذي أعلن فيه «أن المرحلة المقبلة ستشهد جملة من اللقاءات والحوارات بين أطراف لم تكن تلتقي سابقاً بسبب بعض التشنّجات أو الاختلافات في الرؤى»، ما أوحى بأننا قد نكون أمام محطة سياسية قد تشهد عدّة مفاجآت، خصوصاً أن التمديد للمجلس النيابي قد أعاد خلط الأوراق من جديد، بحيث بدا أننا أمام خريطة تحالفات جديدة قد تفرض نفسها على الواقع السياسي في البلاد.
وفي هذا السياق، أكدت مصادر في «تيار المستقبل» أن الظروف الداخلية ما زالت ملائمة للسير في إعلان النيات الإيجابية الذي كان قد ظهر على التوالي ما بين تيار «المستقبل» و»حزب الله»، وذلك على الرغم من انقطاع التواصل بين «المستقبل» و«التيار الوطني الحر» بعد حملة التصعيد الأخيرة التي صدرت عن أركان «التيار» ضد قيادات «التيار الأزرق»، والتي كانت تزامنت مع الدعم الواضح من قبل «حزب الله» للعماد ميشال عون في معركته الرئاسية. وإذ لفتت المصادر نفسها إلى التناقض الحاصل في مواقف «المستقبل» و«حزب الله» إزاء الاستحقاق الرئاسي، اعتبرت أن هذا الواقع سيلقي ظلالاً سلبية من دون شك على مناخ الحوار قبل أن ينطلق، ولكنه لن يقطع جسور التواصل التي يجهد أكثر من مرجع سياسي لتعزيزها وتدعيمها ولا سيما الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط، وذلك انطلاقاً من التركيز على أرضية تفاهم حول قانون الانتخاب الجديد مع انطلاق أعمال اللجنة النيابية التي ستبدأ إعداد مشروع هذا القانون الأسبوع الجاري.
واعتبرت المصادر أن «حزب الله» يدعو إلى الحوار، لكنه في الوقت نفسه، يسير في خطوات وإجراءات من شأنها أن تنعكس بشكل سلبي وبالكامل على أي تواصل مع تيار «المستقبل»، سواء من خلال دعمه المطلق «وحتى يوم القيامة» للعماد ميشال عون في ترشيحه للرئاسة، أو من خلال الإعلان أن مشاركته في القتال في سوريا غير مطروحة على بساط البحث. وأكدت أن هذه المواقف تقطع الطريق على أي نقاش أمني أو رئاسي قبل أن يجلس الطرفان الى طاولة واحدة. وتساءلت المصادر نفسها بالتالي، عن كيفية السير بأي حوار سياسي لتوحيد وجهات النظر حول الاستحقاق الرئاسي وتحصين الوضع الأمني من دون أن تكون هناك نقاط مشتركة على هذا المستوى. فعدم تبديل الحزب لمواقفه رغم كل ما سُجّل من خضّات سياسية وأمنية على الساحة الداخلية بسبب استمرار دعم الحزب للنظام السوري، يقضي على أي حظوظ لإمكان البحث أو الاتفاق على القضايا الخلافية بين فريقي 8 و 14 آذار.
وانطلاقاً من هذه المعطيات، فإن الإيجابية، وإن كانت تبدو شبه مستحيلة بعد مواقف الحزب المتدرّجة منذ إطلالة السيد حسن نصرالله الأخيرة في ذكرى عاشوراء، ما زالت ممكنة، كما كشفت المصادر عينها، والتي أشارت إلى الخطّة الأمنية التي بدأ تنفيذها في البقاع، والتي بدت وكأنها ترجمة واضحة لنيات حسم الوضع الأمني الداخلي التي تحدّثت عنها جهات في الحزب، إذ ركّزت على رفع الغطاء السياسي عن أي أطراف تسيء إلى الاستقرار الداخلي في أكثر من منطقة بقاعية، وشكّلت في الآونة الأخيرة عنصراً إضافياً للتوتّر السياسي الداخلي، وتحديداً بين «حزب الله» وتيار «المستقبل». وتوقّعت أن يؤدي هذا التطوّر إلى تعزيز جهود القوى التي تعمل على إطلاق حوار بين ممثّلين عن الطرفين في المرحلة المقبلة.