Site icon IMLebanon

قراءات متناقضة للتسوية: الرئيس الوسطي.. سعودي؟

ترقّب لبناني للضربات الجوية.. والصفحة الإقليمية الجديدة

قراءات متناقضة للتسوية: الرئيس الوسطي.. سعودي؟

ظل الحديث عن انعكاس التقارب السعودي الإيراني على لبنان في إطار التمنيات، إلى أن تجلى في الصورة التي جمعت السفير السعودي علي عواض عسيري مع النائبين نواف الموسوي وعلي المقداد ومسؤول العلاقات الدولية في «حزب الله» حسن عز الدين. التهنئة بذكرى توحيد السعودية على يد مؤسسها الملك عبد العزيز بن سعود لم تكن حدثاً بروتوكولياً فحسب. لو كانت كذلك، لأمكن إيجاد صورة مشابهة في احتفال العام الماضي.

الصور اللبنانية لا تكتمل إلا برؤية البعد الخارجي لها. لذلك، فإن كثراً ما يزالون يبحثون عن ترجمة داخلية للقاء وزيرَي خارجية السعودية وإيران في نيويورك، بعدما فتحا «صفحة جديدة»، بحسب وصف الوزير محمد جواد ظريف للعلاقة المستجدة مع السعودية، خاصة أن هذه الصفحة ستكون متحررة من «أخطاء الماضي» التي أقر بها الوزير سعود الفيصل.

صارت الأمور أوضح بالنسبة للبلدين، ومتابعو تطور علاقتهما صاروا يرددون بكل ثقة أن السحابة السوادء التي كانت بينهما قد انقشعت، بعدما تكثف أسود «داعش» على الحدود السياسية والاستراتيجية للبلدين. «داعش» أعادت ترتيب أولويات السعودية سريعاً. هكذا، وبعدما كانت إيران تطرق أبواب المملكة منذ وصول الرئيس حسن روحاني إلى سدة الرئاسة، انتقلت السعودية من منطقة التردد إلى منطق المبادرة. تمنت على نائب وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان زيارة الرياض، وعندما فعل، كان له ترحيب خاص من الفيصل، الذي استقبله في منزله لا في الوزارة، وكانت فاتحة اللقاء: «إقفال ملف المواجهة بين البلدين»، وفتح ملفات التعاون في أكثر من بلد… ومنها لبنان.

هذه الحماسة السعودية لفتح صفحة جديدة مع إيران لم تأتِ من فراغ، إنما نتيجة تغيير أولوياتها. ببساطة، لم تعد الدولة الإيرانية تشكل تهديداً مباشراً للسعودية، إنما «الدولة الإسلامية». هكذا، بدا أن احتلال «داعش» لأجزاء من العراق هو ضربة موجعة لإيران وانتصار للسعودية التي كانت قد نجحت في اختراق المعارضة العراقية. لم يتوقف «الانتصار السعودي الغربي» هنا، إنما تابع تطوره، فحصد إزاحة رئيس الوزراء نوري المالكي وتشكيل حكومة جديدة مع حصة أكبر للسنة. في السياسة، رحبت إيران بتشكيل الحكومة الجديدة، وعلى الأرض، أعدت العدة لمواجهة «داعش»، من دون أن تكون معنية بانتظار الجبهة التي كانت تشكلها أميركا.

في هذا الوقت، كانت شرارة الصراع اليمني قد تبلورت، انتقل الحوثيون إلى صنعاء، ثم ما لبثوا أن احتلوها بالتزامن مع إزاحتهم لرجل السعودية الأول علي محسن الأحمر الذي كان يزاحم الرئيس اليمني على نفوذه، ووضعهم حداً لنفوذ «التجمع اليمني للإصلاح» (الاخوان المسلمون) الذي كان يسيطر على الحكومة اليمنية.

لم تتأخر السعودية في مباركة اتفاق «السلم والشراكة الوطنية» الذي وقعه الرئيس عبد ربه منصور مع الحوثيين. لكن بعد ذلك انقسم المحللون بيـن من يعـتبر أن موافـقة السعوديين على الاتفـاق تأتي في إطار مسعـاهم إلى المحافظة على بعـض ما تبقـى لهم مـن نفوذ في اليمــن، وبين من اعتبر أن السعودية كانت جزءاً من اتفاق خطط له مسبقاً ويهدف إلى إطاحة نفوذ «الإخوان».

المهم أن الاتفاق اليمني، جاء ليعزز التقارب بين السعودية وإيران إثر الاتفاق العراقي. كما أكد أن العلاقة بينهما انتقلت إلى بر الأمان، بما يفتح الباب مجدداً على استكمال سلسلة تفاهماتهما، وصولاً إلى لبنان.

مع ذلك، لا أحد يتوقع أن يكون الحل في لبنان قريباً. التركيز منصب الآن على الضربات التي توجه لـ«داعش». ثمة توازن دقيق، الكل يراقب مدى الالتزام به. في معسكر الممانعة تزداد القناعة بأن الضربات لا تساوي شيئاً من دون تغييرات ميدانية لا يمكن أن يقوم بها أحد إلا الجيش السوري، فيما التحالف لا يزال يعتقد بإمكانية مواجهة «داعش» من دون منح النظام حق الاستفادة على الأرض. كيف تتطور الأمور؟ ربما هذا هو ما قصده السيد حسن نصر الله في حديثه عن تطورات قريبة مهمة في المنطقة.

عند هذا الحد، يقف الملف اللبناني منتظراً دوره. يعرف الداخل والخارج أنه إضافة إلى مواجهة الإرهاب، فلا أولوية تتفوق على أولوية انتخاب الرئيس. بالنسبة لـ«14 آذار»، يبقى الحل بانتخاب رئيس توافقي يكرس التوافق السعودي الإيراني. لكن في «8 آذار»، تبدو النظرة مختلفة تماماً: أي اسم توافقي أو وسطي يصب حكماً عند السعودية. وعليه، فإن هذا الفريق يرى أن تفسير التوافق السعــودي الإيــراني لبنانياً يعني تحقيق التوازن في الــسلطة التنفيذية، إذ لا يمكن أن يكون رئيس الحكومة محسوباً على السعودية ورئيس الجمهورية كذلك. لا تزال تجربة الرئيس ميشال سليمان حاضرة أمام هؤلاء. يتذكرون كيف بدأ ولايته وسطياً و«أنهــاها سعــودياً». لا تتردد مصادر «8 آذار» بالتأكيد أن من يحقق التوازن في السلطة التنفيذية هو العماد ميشال عون. ولكن هل هذا يعني أن عون سيكون حصة إيرانية مقابل حصة سعودية في رئاســة الحكومة؟ يرفض المصدر ذلك بشــدة، معــتبراً أن التوازن يحققه عون لأنه الوحيد القادر على المحافظة على استقلالية قراره، وبالتالي تحييد لبنان عن صراعات المنطقة.

ولكن كــيف يمكـن لعـون أن يخـرق الفـيتو الذي يضعه عليه بعض أركان النظام السعودي؟ يؤكــد المصـدر أن الخـليج عمـوماً لا يعارض وصول عون إلى رئاسة الجمهورية كما أن الكلمة النهائية في السعودية تبقى للملك عبد الله وليس لأركان في نظامه. ثم يقول متهكماً: من يقبل بوجود عبد الملك الحوثي في عقر داره، لن يكون صعباً عليه القبول بعون رئيساً للجمهورية اللبنانية.