دخول الحوار بالبحث في مواصفات رئيس الجمهورية العتيد، يشكّل أوّل مقاربة جدّية للاستحقاق الرئاسي، ولكنّ التوافق على الانتخاب لا يزال بعيد المنال، أوّلاً، لأنّ التباعد ما يزال كبيراً بين الأفرقاء السياسيين الذين حددوا مواصفات متناقضة، وثانياً، لأنّ التوافق الإقليمي – الدولي المعهود ليس متوافراً بعد تأكُّدِ الجميع أنّ لبنان ليس على سلّم اولويات العواصم المؤثرة والعاملة على ساحة المنطقة.
يرى سياسيون أن لا انتخاب متوقّعاً لرئيس الجمهورية في هذه المرحلة، لكن إذا حصلت تسوية في أيّ لحظة في المنطقة فإنّ لبنان يعود بموقعه الحيوي لا بموقعه المنسيّ، فهو الآن محطّ اهتمام العواصم الإقليمية والدولية الفاعلة بسبب كثافة النزوح السوري إليه، ولأنّه كذلك منحَته هذه العواصم الاستقرار الأمني ليبقى ملجأً للنازحين السوريين، فيما قضاياه منسيّة إلى أجل غير محدّد.
وفي اعتقاد هؤلاء السياسيين أنّ التسوية المتعثّرة في شأن الترقيات العسكرية والأمنية ربّما تكون التعويض المرحلي عن تأخّر الحوار في إنتاج الحلول المرجوّة للأزمة. فتأخُّر انتخاب رئيس الجمهورية سيُبقي الشللَ مقيماً في السلطتين التشريعية والتنفيذية، في حين أنّ التسوية في شأن الترقيات، إذا حصلت، من شأنها أن تفَعّل العمل الحكومي وتعيد مجلس الوزراء إلى الانعقاد، وكذلك تعيد المجلس النيابي إلى عمله التشسريعي كونها تتضمّن بنوداً تحتاج إلى إقرار في مجلسَي الوزراء والنواب.
ولذلك لا يُسقِط كثير من المعنيين والسياسيين من حسبانهم إمكانَ تعويم تسوية الترقيات قبل 15 تشرين الأوّل الجاري حيث تنتهي خدمة قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز المطروح ترقيتُه بموجبها إلى رتبة لواء لإطالة خدمته في المؤسسة العسكرية سَنةً ونصف السَنة، بما يوفّر له فرصة تعيينه قائداً للجيش تلبيةً لطلب رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون، فلكي يعيّنَ في هذا المنصب ينبغي ترقيته إلى رتبة لواء حتى تُتاحَ ترقيته إلى رتبة عماد عند تعيينه،
وإذا لم تحصل هذه الترقية يَسقط «الإغراء الأساسي» الذي يريد الأميركيون وغيرهم تقديمَه لعون حتى يُتّفق معه على صيغة ما لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، خصوصاً أنّ ما حصل على طاولة الحوار دلّ إلى أنّ إمكانية انتخابه رئيساً للجمهورية ليست متاحة، بدليل أنّ تيار «المستقبل» وحلفاءَه أكّدوا صراحةً عدمَ تأييدهم له. في حين أنّ عون يتمسّك حتى الآن بترشيحه، ويبدو أنّه ازداد تمسّكاً به بعد التدخّل العسكري الروسي في الأزمة السورية دعماً للنظام وحلفائه في مواجهة «داعش» وأخواتها وكلّ التنظيمات المسلّحة المعارضة.
ويقول البعض إنّ خروج روكز من الخدمة في 15 من الجاري، في حال سقوط التسوية نهائياً، سيَطرح سؤالاً كبيراً عمّا سيكون عليه الأفق السياسي، ذلك أنّ قضيته هي أصلاً قضية عون الذي سيتحرّك وحلفاءَه في خيارات جديدة ربّما تؤدي إلى الآتي:
– توقّف جلسات الحوار بين قادة الكتل النيابية في ساحة النجمة.
– تحَوُّل حكومة الرئيس تمام سلام حكومة تصريف أعمال غير معلنة، وفي هذه الحال يمكن سلام أن يستقيل لأنه قد لا يستطيع الاستمرار في تحمّل هذا المقدار المستطير من الانتقادات والهجمات عليه، خصوصاً أنّه عائدٌ من نيويورك متشائماً بعدما لمسَ أنّ لبنان ليس محطّ اهتمام المجتمع الدولي لا من قريب ولا من بعيد.
لكنّ سياسيّين آخرين يعتقدون أنّ طرح رئيس مجلس النواب نبيه برّي السلّة المتكاملة للحلول ربّما سيَحول دون توقّف الحوار. ويَبقى الأمل معقوداً على توصّلِه إلى اتفاق على هذه السلّة أسوةً بالسلة التي أقِرّت بموجب «اتّفاق الدوحة» عام 2008. فبرّي لا يرى بديلاً للبنان من هذا الحوار، ويصفه بأنّه الأوكسيجين الذي يتنفّسه البلد بانتظار انفتاح الآفاق أمام الحلول المرتجاة لأزمته.