نهاية شهر نيسان الماضي، عمّم الجيش اللبناني على جموع المهرّبين في منطقتي الهرمل وبعلبك ووادي خالد، قراراً حاسماً بمنع التهريب من المعابر غير الشرعية مع سوريا. وبحسب المعلومات، فإن القرار دخل حيّز التنفيذ يوم 1 أيار الحالي، بناءً على مقررات مجلس الدفاع الأعلى، الذي انعقد في قصر بعبدا برئاسة العماد ميشال عون منتصف شهر نيسان الفائت.
وخلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة، على وقع مناقشات الموازنة، لم يتوقّف عدد من الوزراء، فضلاً عن رئيس الحكومة سعد الحريري، عن تكرار الـ 136 معبراً غير شرعي، وربط مسألة المعابر على الحدود الشرقية والشمالية، بالأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد. وكأن أزمة التهرّب الضريبي والخسائر الفادحة التي تتكبّدها الخزينة بفعل التحايل على النظام الجمركي وثغرات هذا النظام، سببها المعابر غير الشرعية مع سوريا.
لكن، لـ«المصادفة»، فإن جموع الدبلوماسيين الغربيين في بيروت، ولا سيّما الأميركيون والبريطانيون، ومعهم مجموعة من ببغاوات السياسة، الذين يردّدون الصدى الأميركي في البلاد، يتبجّحون منذ مدّة، بنجاحهم في «ضبط» الحدود اللبنانية – السورية عبر أفواج الحدود البريّة، كأحد أبرز الإنجازات منذ الخروج السوري من لبنان في 2005.
وهذه «العنتريات» الأميركية والبريطانية، يتبعها كلام تمهيدي، عن خطّة لتمويل سيطرة الجيش على كامل الحدود البرية. وبالتحديد، على ثلاثة بقع مهمّة هي الحدود الشمالية – الشرقية بين الهرمل والقصير، ومنطقة النبي شيت على الحدود الشرقية، ومنطقة قوسايا شمال خط المصنع، وحلوة والسلطان يعقوب جنوبه، حيث معسكرات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة على ضفتي الحدود اللبنانية – السورية. والبقع الثلاث، في الحسابات الأميركية – البريطانية، تشكّل معابر لتهريب سلاح المقاومة من سوريا إلى لبنان، ومدى حيوياً للترابط العملاني والميداني بين حزب الله والجيش السوري، في التحالف الاستراتيجي الوجودي القائم بينهما. وتشكّل قوسايا والسلطان يعقوب مفتاحاً لمشروع نزع السلاح الفلسطيني خارج المخيّمات، الذي يدخل ضمن استراتيجية مواجهة العدو، من سهل البقاع ومدخل دمشق الغربي، إلى الناعمة والساحل اللبناني. فضلاً عن تركيز الأميركيين على نشاط تجار النفط والقمح والإلكترونيات والمعدات الطبية والسيارات اللبنانيين، وتخويفهم من مغبّة نقل أي من هذه السلع إلى سوريا، من ضمن خطة الحصار المفروضة على دمشق.
لكن يغيب عن ذهن هؤلاء أمران: الأول، أنّ حزب الله نفسه، منذ قيام الجيش بتشكيل أفواج الحدود البريّة ونشرها، لم يعارض مرّة واحدة هذا التوجّه. بل على العكس، اعتبر الحزب سيطرة الجيش على الحدود الشرقية، تحمّلاً للعبء الذي تحمّله هو لسنوات، في حماية الحدود من الهجمات الإرهابية، يوم كان الأميركيون والبريطانيون أنفسهم، يدعمون الجماعات السورية المسلّحة لإسقاط الدولة السورية ويأمرون الفريق التابع لهم في لبنان بفتح الحدود لدعم الساعين إلى إسقاط الدولة السورية.
والثاني، أنّ حزب الله، على الرغم من كل الرصد الجوي والفضائي وحتى الأرضي لحركة نقل سلاحه من سوريا إلى لبنان، لا يزال يراكم قدراته كمّاً ونوعاً، وينجح في التخفي عن عيون العدو، الإلكترونية والبشرية. وهو، باعتراف قادة جيش الاحتلال، نجح أخيراً في نقل أسلحة متطورة ودقيقة (وربّما تصنيع هذه الأسلحة في لبنان، بحسب زعم الاحتلال نفسه).
لكن العراضة التي تقوم بها الحكومة حول إغلاق المعابر غير الشرعية، التي تشكّل باباً للرزق لشريحة واسعة من أهالي البقاع وعكار، فيها «إِنَّ»، ولو كانت ذريعة تهريب البشر، فضلاً عن التهرب الضريبي، جزءاً من حملة «التخويف» من الحدود السائبة.
فالقول إن المعابر غير الشرعية هي أبرز العوامل في تضخم خسائر التهرب الجمركي، ليس دقيقاً. مصادر جمركية تؤكد أن كلفة التهرب الضريبي على المعابر غير الشرعية، لا تتجاوز الـ 10% من مجمل الخسائر، لأن السلع التي تكلّف الخزينة المبالغ الطائلة لا تنتج أصلاً في سوريا أو تركيا لتهرّب عبر المعابر غير الشرعية، بل يجري تهريبها عبر المعابر الشرعية في البرّ والبحر. وتجزم المصادر نفسها بأن لبنان لا يجبي أكثر من نصف الرسوم المستحقة على البضائع التي يستوردها بصورة شرعية!
وهنا، تظهر عمليّة التركيز على الحدود كجزء من سياسة التعمية، أوّلاً على مصدر التهرب الجمركي الحقيقي الذي تقوم به الشركات الكبرى ذات الحماية من الطوائف والقيادات السياسية، وثانياً من الضغوط الأميركية على رئيس الحكومة والجيش للدفع نحو الفصل الكامل بين لبنان وسوريا.
وبين هذا وذاك، تبقى شرائح واسعة من أهالي البقاع وعكار، من دون بدائل عن مهنة التهريب، ما يؤدي إلى تعميق أكبر لأزمة الأطراف في لبنان الكبير!