خلال الخطاب الذي القاه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس الاميركي في الثالث من الشهر الجاري عن “مخاطر” الاتفاق مع ايران حول ملفها النووي ركز على مخاطر سيطرتها في المنطقة على أربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وأخيراً صنعاء. وهذا الكلام ليس جديداً من زاوية ان الجنرالات الايرانيين اعتمدوا هذه الدعاية في الاشهر الاخيرة وصولاً الى الرئيس الايراني حسن روحاني نفسه الذي قال في 11 شباط الماضي في الذكرى الـ36 للثورة الاسلامية انما باسلوب أكثر ديبلوماسية من أسلوب الجنرالات الايرانيين الذين يتحدثون عن سيطرة ايران او نفوذها “ان الدولة التي ساعدت شعوب العراق وسوريا واليمن ولبنان لمواجهة المجموعات الارهابية، كما قال، هي الجمهورية الاسلامية”. والمفارقة ان اياً من هذه الدول اي العراق او سوريا او لبنان او اليمن لم تقل بالعكس ولم تحاول ان تدحض هذه الادعاءات او المزاعم الايرانية على رغم ان هذه الاخيرة لا تفيد الا ايران نفسها فيما هي يفترض ان تسيء الى الدول التي لا تزال تعتبر نفسها صاحبة سيادة على اراضيها على رغم كل التدخلات القائمة فيها بما فيها التدخل الايراني وللحاكمين فيها. فهذه الدول لم تعترض على هذه المزاعم ولا تستطيع على الأرجح ان تفعل ذلك لا سيما بالنسبة الى دولتين مهمتين هما العراق وسوريا نظراً الى الاعتبارات المعروفة. فرئيس النظام السوري مثلا الذي لم يصمد سوى بمساعدة ايران وميليشياتها وحلفائها من لبنان والعراق وثار على نقل تركيا رفات سليمان شاه اعتراضاً على خرق السيادة السورية يعجز عن ابداء رد فعل. وكذلك بالنسبة الى الرئيس العراقي حيدر العبادي الذي لم يعترض كذلك على قيادة الجنرال الايراني قاسم سليماني حرباً في تكريت وفي مناطق اخرى تحت عنوان مواجهة الارهابيين بمباركة اميركية لافتة. وفي حين ان اليمن ينقسم تحت وطأة سيطرة الحوثيين بدعم ايراني على السلطة هناك، فان لبنان بدوره يعجز في غياب رئيس للجمهورية وفي ظل حكومة تسعى الى الاستمرار بالحد الادنى عن الرد على المزاعم الايرانية على رغم ان هناك من يعتقد بان لبنان لا يخضع للسيطرة الايرانية كما هي الحال في سوريا او في العراق، وذلك على رغم نفوذ “حزب الله” وسيطرته على قرار الحرب والسلم فيه. لكن الحزب حاول ترسيخ هذا النفوذ ولا يزال مراراً وتكراراً بعد خروج سوريا من لبنان وعلى اثر اطاحة حكومة الرئيس سعد الحريري لكن من دون ان ينجح في ادارة البلد، كما يعتقد هؤلاء. وكذلك لم يستطع حتى الآن فرض مرشحه لرئاسة الجمهورية بعد مرور عشرة أشهر على الشغور في سدة الرئاسة الاولى على سبيل المثال. وتالياً يغلب الاعتقاد لدى هؤلاء ان ايران تملك عبر الحزب قدرة الفيتو والتعطيل تماماً على ما يحصل في موضوع انتخاب رئيس الجمهورية، ما يدفع جهات كثيرة الى مناهضة تسليم لبنان الى ايران عبر ايصال مرشح الحزب أياً يكن. فسوريا كانت تسيطر كليا على لبنان وتتحكم بكل تفصيل فيه وايران لا تتمتع بهذه الوضعية، على رغم انها ورثت سوريا وأخذت مكانها. وأظهر “حزب الله” قدرته على السيطرة على العاصمة في العام 2008 كما فعل الحوثيون أخيراً في اليمن بما يفيد بتمكن ايران عبر امتداداتها في لبنان من السيطرة عليه. ولعل هذا الاعتبار هو ما يأخذه المراقبون للوضع اللبناني، خصوصاً مع قدرة الحزب على فرض اجندة ايران في التورط في الحرب السورية او في مواجهة اسرائيل. لكن يبرز هؤلاء في الوقت نفسه استمرار واقع مناهضة ذلك عبر الامداد الاميركي للجيش اللبناني بالاسلحة اللازمة، وكذلك الدعم السعودي عبر الهبات للجيش التي وصلت الى اربع مليارات دولار.
لكن ثمة من يتساءل اذا كان التسليم الاسرائيلي بالسيطرة الايرانية على هذه الدول الاربع وفق ما لفت معلقون كثر على كلام نتنياهو، يعكس جزءاً من تسليم اقليمي ودولي بذلك علماً ان عدداً من دول المنطقة تردد هذه المزاعم الايرانية من دون اي مناقشة حول مدى صحتها من عدمه او ما هي نسبة هذه السيطرة، ما ساهم في تعميم هذا الاقتناع بوجود سيطرة ايرانية فعلاً على هذه العواصم الاربع على رغم ان الموضوع يحتمل نقاشا ان لجعل عودة الاميركيين الى العراق او قدرة ايران على فرض النظام السوري على الغالبية السنية هناك. والتساؤل ينسحب على ما اذا كان تكرار المزاعم يدخل في اطار محاولة تثبيت مسألة على انها باتت امراً واقعاً لا يمكن دحضه وتالياً يجب التعامل معه على هذا الاساس او الحصول على تسليم “شرعي ” واعتراف دولي بذلك على ما يعتقد ان ايران تسعى لذلك في تحركها الكثيف على الارض في المدة الفاصلة بين بدء المفاوضات مع الغرب حول ملفها النووي والاقتراب من التوصل الى اتفاق حوله. كما ان هناك تساؤلاً اذا كان تكرار المزاعم الايرانية اقليمياً هو جزء من تكبير خطر ايران في المنطقة بالاستناد الى ما يدعيه المسؤولون الايرانيون انفسهم، على رغم ان تبني هذه المزاعم يعطيها صدقية في مكان ما ويسمح لايران بالذهاب الى التفاوض متى فتح او في حال فتح حول الوضع في المنطقة من موقع قوة . وفي اي حال تبدو ايران مستفيدة حتى اشعار اخر