IMLebanon

ضوابط «النسبيّة»… «التمثيل الصحيح»!

بعدما تصَلّبت المواقف وتصاعدت لغة التحدّي وتشبّث كل فريق برأيه ومشروعه، وأصبح قانون الإنتخاب المُنتظَر حلماً فـي ليلة صيف، وبعدما أصبح التصويت على قانون الإنتخاب في مجلس الوزراء من المحرّمات والمحظورات و«مشروع فتنة»، وبات التوافق الكامل بين كلّ المكوّنات شرطاً لولادة قانون الإنتخاب العتيد، أدرك الشعب المسكين أنّ قانون «الستين» قام من بين الأموات وصعد إلى سماء التداول في الأروقة المخفيّة.

عض القوى، خصوصاً الفريق المسيحي، يحاول بصدق وإصرار التخلّص من قانون «الستين» المُجحِف بحقّ المسيحيين وفئة كبيرة من اللبنانيين، أما البعض الآخر، وللأسف الشديد، فيحرص على أن يقيمه من بين الأموات، لأنه القانون الوحيد الذي يعطيهم حجماً أكبر وقوةً أعظم وسلطةً أوسع.

الرئيس ميشال عون يجزم أن لا عودة إلى قانون «الستين» مهما كانت الظروف والأعذار، ويُطمئِنْ الجميع أن لا فراغ سيحصل في المجلس النيابي، مستنداً إلى المادتيـن 25 و74 من الدستور (النصّان معروفان)، إذ يعتبر الرئيس أنّ حالة حلّ المجلس تُشبه إلى حدّ بعيد حالة الفراغ النيابي لعدم إجراء الإنتخابات.

المُضحِك المُبكي، أننا في السنتين الأخيرتين، كنا نتكلم عن خطر الفراغ الرئاسي وما يسبّبه من شلل واهتراء، أما هذه السنة فقد أصبحنا نتكلم عن الفراغ النيابي، بعد إصرار بعض الأفرقاء على التغاضي عن تصحيح الخلل الذي أصاب التمثيل الصحيح لفئة واسعة من اللبنانيين.

الكلّ يريد قانوناً عادلاً، ولكنّ كل فريق يرى العدالة من منظاره، وبحسب مصلحته الآنية والبعيدة المدى.

الشيعة وحلفاء «حزب الله» يرون العدالة في «النسبية الكاملة»، والسنّة في «المختلط» ثمّ في «النسبية المشروطة»، وأكثرية المسيحيين في «التأهيل» أو «الأرثوذكسي الكامل» بعدما سقطت المشاريع «المختلطة»، والدروز في «الستين» أو في «نسبيّة» الشوف وعاليه. أما «الدائرة الفردية» و»الصوت الواحد لمرشّح واحد» فلم يعد أحد يأتي على ذكرهما، بعدما حوصرت الكتائب وقبلت بـ»النسبيّة»!

يا جماعة الخير، إنّ قانون الإنتخاب مسألة مصيرية، وهو أهمّ من قرار السلم والحرب، لأنه يربط مصير الأجيال المقبلة إلى فترة غير محدودة، ولا يمكن أن يكون التعاطي في شأنه كالتعاطي بالأمور العادية، وكأنّه لباس نرتديه أو ننزعه ساعة نشاء.

نذكّركم للمرة الثالثة بما قاله السيد حسن نصرالله عن حق في قانون الإنتخاب: «قانون الإنتخاب يعني مصير البلد، قانون الإنتخاب يعني لمَن تُسلِّم مصيرك ودمك وعرضك ووجودك ومستقبلك وسيادتك وحريتك واستقلالك». نعم، قانون الإنتخاب يعني مصير شعب ووطن، ولا يمكن المجازفة والقبول بقانون لا يصون الأعراض والوجود ويؤمّن الـمستقبل.

من هذا المنطلق يقول فخامة الرئيس إنّ «النسبية» خيارُه، ولكنها تحتاج إلى ضوابط، ولا يمكن أن تكون الضوابط سوى «التمثيل الصحيح» الذي هو الأساس والجوهر فـي كل قانون إنتخاب، ومن دونه، لا معنى ولا جدوى من إجراء الإنتخابات، فالنائب الذي لا يمثّل شعبه أولاً هو نائب «مزوّر» ولايستحق أن يُدعى نائب الأمة.

وكان الرئيس نبيه بري أول مَن أدرك أن «النسبية» وحدها لا تكفي لتمثيل الناس بكل فئاتهم وأطيافهم، واقترح التأهيل وفق «المشروع الأرثوذكسي»، فتبنّينا إقتراحه، مع العلم أننا كنا نطرح التأهيل على مستوى «الدائرة الفردية» أو «الصوت الواحد لمرشح واحد» واعتبرنا فـي حينه (14 شباط 2017) أنّ التأهيل هو «أبغض الحلال».

يعتبر البعض أنّ الصوت التفضيلي في القضاء، على أساس النظام النسبي المطروح، يُشبه فكرة «التأهيل الأرثوذكسي» الذي طرحه الرئيس نبيه بري أوّلاً ثمّ تمسّك به الوزير جبران باسيل لاحقاً، ويعطي النتيجة ذاتها من دون الحاجة إلى تسميات طائفية وإلى تحريك العصبيات النائمة.

هذا الإعتبار غير صحيح، لأنّ الناخب مُلزَم على التفضيل بين الأسماء التي دخلت جنّة اللائحة، وليس بين المرشّحين الذين ترشّحوا على المقعد المخصّص لطائفتهم في الدائرة الإنتخابية.

بمعنى آخر، قد يكون المرشّح الذي يمثّلني ويمثّل فئة كبيرة من الناس، بقي خارج اللوائح التي شكّلها زعماء الطوائف، كونه من المستقلّين، أو العلمانيين أو من الحراك المدني، أو لأسباب حزبية أو طائفية أو مالية، فيُجبر الناخب قسراً على إختيار مَن لا يمثّله حقيقةً، أو إلى مقاطعة الإنتخابات وعدم التصويت، وهذا ما يجعل التمثيل الصحيح، غير صحيح، وغير متوافر، إذا تمّ إعتماد الصوت التفضيلي فقط واستُبعد التأهيل، الذي سيبقى بنظري «أبغض الحلال».

ألا تكفي 27 سنة من القهر والوصاية والتسلّط والتهميش والإقصاء، لكي نأتي بقانون عنوانه العريض «نسبيّة عادلة» ومضمونه «أكثريّة ساحقة ماحقة»؟

إذا كانت «المناصفة» التي أقرّها دستور «الطائف» قد أصبحت في «خبر كان»، ودُهسَت تحت أقدام المصالح وموازين القوى والأنانيات، ونسي زعماؤنا الإستعانة بـ«إكتواريي» الديموغرافيا والأعداد، وتناسوا الدستور والميثاق والشراكة، وإذا كان سيفُ دموقليس مصلتاً على رقابنا ولا فرار منه إلّا بقبول «النسبية»، فالضوابط التي يطلبها رئيس الجمهورية، ونطالبه نحن بها، هي السماح لشعبنا العظيم، الذي لا يعرف من «النسبية» إلّا عنوانها، ولا يُدرك إلى أين ستؤدّي به فـي المديَين المتوسط والبعيد، السماح له، على الأقلّ، باختيار وتأهيل ممثّليه الحقيقيين.

يقول ونستون تشرشل: «إذا أردتَ أن تعرف أيّ شعب في العالم، أنظر إلى برلمانه ومَن يمثّله فيه… وبعدها سوف تعرف أيّ الشعوب يستحق رمي الورود عليه أو ضربه بالأحذية.

* باحث وكاتب سياسي