IMLebanon

مِن الجدل حول مقاييس ومواصفات «الرئيس الماروني القوي»

منذ 19 حزيران 2013 تاريخ أوّل لقاء للأقطاب الموارنة الأربعة في بكركي بدعوة من البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، فُتح الجدل حول هوية «الرئيس القوي» والمواصفات ليكون المرشّح الرئيس الى رئاسة الجمهورية التي حُصرت منذ البداية بأربعة دون غيرهم الى أن بدأت المفاضلة في ما بينهم على قاعدة الأكثر تمثيلاً. وعليه، علامَ يدور الجدل؟

أحيَت المداخلات في إجتماعات «الهيئة الوطنية للحوار» في جلستيها الأولى والثانية الجدل حول مواصفات «الرئيس القوي» للجمهورية على خلفية الأحقية التي يدَّعيها العماد ميشال عون بتمثيل المسيحيين ليكون المرشح الأقوى في انتخابات رئاسة الجمهورية.

وهو ما أثاره عون في الإجتماع الأول وجدّد الحديث عنه ممثله على طاولة الحوار رئيس «التيار الوطني الحر» الجديد وزير الخارجية جبران باسيل على خلفية تمثيل «التيار»

ومعه تكتل «التغيير والإصلاح» في المجلس النيابي بأكبر كتلة نيابية منذ انتخابات العام 2005 الى اليوم.

أولى الردود الفعلية على هذه النظرية تجدّدت على طاولة الحوار عينها وتكرّر القول: إذا كان عون قد حصد أكثرية من أصوات المسيحيين في «تسونامي» انتخابات العام 2005، فإنّ الوضع تغيّر في انتخابات العام 2009 وبات الأمر مناصفة بينه والكتل الأخرى على رغم ما رافق تلك الإنتخابات من فتاوى دينية متشدِّدة حسمت المعارك في العديد من الدوائر الإنتخابية وتحديداً في جبيل وجزين وبعبدا التي رفعت من حصته 13 نائباً.

وبالتالي فإنّ المسيحيين منقسمون الى حدٍّ بعيد حول العديد من الخيارات الإستراتيجية الكبرى التي لا تخوّل أحداً الإدعاء والنطق باسم الأكثرية منهم أو احتكارها. وهي تعني بحكم الأمر الواقع أنّ مَن جمع عدداً من النواب في كتلته في ظروف معروفة حكمت الإنتخابات في العديد من الدوائر الإنتخابية الآنفة الذكر.

ولذلك، وتأسيساً على ما تقدّم لا يحق لأيّ قطب من الأقطاب المسيحيين الإدعاء بالأكثر قوة طالما أنها نجمت من اصوات غير المسيحيين، ذلك أنّ الدوائر المسيحية الخالصة مثل دائرة كسروان – الفتوح جعلت الصوت المسيحي مناصفة بين القادة المسيحيين من «8 و14 آذار» ولا يؤدي ذلك الى الحسم النهائي والجازم في توصيف الأقوى.

وعليه، قيل وفق المعادلة الجديدة منذ العام 2009 إنْ لا مناص من التفاهم المسيحي على مرشح للرئاسة يحظى بثقة ودعم الجميع، فيكون الأقوى بعد أن ينال رضى الكتل والأطراف الإسلامية.

فرئيس الجمهورية لا يُنتخب بأصوات المسيحيين فقط، أسوة برئيس مجلس النواب ولا يكلف رئيس الحكومة أيضاً ما لم يحظَ بأصوات مسيحية وإسلامية، وإذ اتّفق السنّة والشيعة لم يبدِ المسيحيون أيّ معارضة تُذكر فكان لإرادة التوافق التي عبروا عنها أن تُترجم بكلّ صدق الى النهايات المحتومة.

من هنا لا يبدو وفق المعادلات النيابية السلبية التي تحكم النصاب الدستوري لجلسة إنتخاب الرئيس أنّه يمكن انتخاب رئيس قبل هذا التوافق وبالتفاهم بين الجميع، لذلك بدأ البحث في المواصفات المطلوبة للرئيس الذي يمكنه أن يحكم بقوة موقعه وصلاحياته الدستورية إن أحسن إستخدامها، لذلك بدأ البحث في الجلسة الثانية حول ما يحتاجه البلد من الرئيس المقبل لينزل الجميع الى المجلس لإنتخابه وليكون في خدمة البلد وليس الطائفة فحسب.

ومن هذه المعادلة المنطقية، يمكن مقاربة المواصفات المطلوبة بهامش أوسع ممّا هو متوافر في الساحة المسيحية وإن تكرّرت تجربة الـ 70 مع اتفاق الأقطاب كميل شمعون وبيار الجميّل وريمون اده على سليمان فرنجية رئيساً، فتحوّل بين ليلة وضحاها رئيساً قوياً كان خيراً.

لذلك بات الرئيس القوي يحتاج الى مواصفات أخرى تُلبّي الحاجة الى سدّ الشغور الرئاسي في أسرع وقت ممكن وبأفضل المرشحين شرط أن يتمتع بما يلي من الصفات على الأقل:

فالرئيس القوي هو الذي يتمتع بعلاقات مميّزة مع أكثرية اللبنانيين، ولا يرفضه ثلث اللبنانيين من السنّة نهائياً ونصف المسيحيين وقسم من الشيعة أيّاً كان حجمه. فهو في النتيجة يعادي أكثر من نصف الشعب.

والرئيس القوي هو القادر أن يخاطب العالم العربي على الأقل فلا يرفضه العديد من قادته. فلن يصل الى سدة الرئاسة مَن يُعادي دولاً وعواصم كبرى لا تثق به ولا يثق بها، ما لم يثبت اللبنانيون أنهم أقفلوا أبوابهم وسدّوا آذانهم عن الخارج.

والرئيس القوي لا يحتاج الى الشارع ليُثبت قوّته، فلا يمكن أن نعرف حجم المسيحيين الذين نزلوا اليه. فمَن يضمن أنّ جميع الذين كانوا في ساحة الشهداء هم من المسيحيين فقط وليسوا من طوائف أخرى؟! وهو ليس مؤشراً كافياً لإثبات حجم مسيحي بات عرضة للتشكيك فوق النسب المتوقعة.

الرئيس القوي الذي يحتاج الى الشارع لإثبات قدراته ليس هو الرئيس القوي، ذلك أنّ الميزان الشعبي اللبناني بات متقلّباً الى درجة كبرى وردّ فعله بات يُقاس يومياً بموقف أو تصريح من هنا او هناك بميزان الجوهرجي. فقد فقدت أكثرية اللبنانيين ثقتها بالعديد من القادة وساووا في ما بينهم وسقطت هامات كبيرة ومَن يضمن وجوده فوق الغربال الشعبي فليرفع إصبعه.