Site icon IMLebanon

جدل الحصص… ماذا يقول «الكتاب»؟

 

عند استقالة الرئيس بشارة الخوري عام 1952 وتعيينه رئيساً للحكومة الموَقّتة، قال قائد الجيش حينها فؤاد شهاب عبارته الشهيرة لرئيس المجلس النيابي أحمد الأسعد حول الانتخابات الرئاسية: نفعل ما يقوله «الكتاب» (أي الدستور)، ندعو النواب إلى انتخاب رئيس جديد. فماذا يقول «الكتاب» عن تأليف الحكومة وحصّة رئيس الجمهورية وتخصيص الحقائب الوزارية؟

إلى جانب القانون المكتوب يُعمل في لبنان بـ»العرف»، وهو ما يُتعارف عليه بين المكوّنات اللبنانية ويُعمل به فترة طويلة. ومن أوّل هذه الأعراف في لبنان، التقاسم الطائفي للسلطة عام 1943.

وبعد الأخذ والردّ بين جهات سياسية وقانونية عدة حول حصة رئيس الجمهورية الوزارية، برز خلال الاسبوع الماضي موقف رسمي من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ينهي التكهّنات ويفتح باب تصادمٍ جديد، إذ أكّد على «ما منحَه إياه الدستور من صلاحيات وما درجت عليه الاعراف المعتمدة منذ اتّفاق الطائف، لا سيّما لجهة حقّ رئيس الجمهورية في ان يختار نائبَ رئيس الحكومة وعدداً من الوزراء، يتابع من خلالهم عملَ مجلس الوزراء والأداء الحكومي بشكل عام انطلاقاً من قسَمه الدستوري بالحفاظ على القوانين».

لكن، على رغم أنه لا يُمكن صدورُ مرسوم تأليف الحكومة بلا توقيع رئيس الجمهورية، حتى بعد التعديلات الدستورية التي فرَضها الوضع القائم أواخرَ الثمانينات (المادة 53 من الدستور، البند الرابع: يصدر رئيس الجمهورية بالاتّفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسومَ تشكيل الحكومة)، إلّا أنّ التعديل الدستوري الذي تمّ في اتفاق الطائف عام 1989، اقتصّ من صلاحيات رئيس الجمهورية، إذ كان يُعتبر أنّ هذه الصلاحيات حوّلت النظام الدستوري في لبنان من برلماني إلى شِبه رئاسي فصحّح «الطائف» مقوّمات النظام، فضلاً عن أنّ هذا التعديل كان يهدف إلى إلغاء حُكم الرئيس الماروني أو «المارونية السياسية»، ونَقلِ هذه الصلاحيات إلى مجلس الوزراء مجتمعاً.

ويَعتبر البعض أنه وبموجب هذا التعديل تمّ تجريد رئيس الجمهورية من كلّ أدوات الحُكم وأنّ الصلاحيات المتبقية له مُنفرداً ليست إلّا صلاحيات شرَفية لحفظ ماء الوجه، كما أنّ صلاحيات الرئيس وفق القانون الدستوري الصادر في 21 أيلول الثاني 1990 لم تعد تخوّله اختيار الوزراء، بل انتقلت هذه الصلاحية إلى الكتل النيابية الكبيرة، التي تُسمّي رئيساً للحكومة وتُلزم رئيس الجمهورية بتكليفه وبالتالي هي من تفرض على الأرض حصّتها وأسماء وزرائها.

كذلك، فقدَ رئيس الجمهورية صلاحية إقالة رئيس الحكومة وتكليف غيره، في حال تأخّر في عملية التشكيل أو لم يراعِ المتطلبات الوطنية اللازمة في تشكيلاته الحكومية، (بعدما كان رئيس الجمهورية يعيّن الوزراء ويسمّي منهم رئيساً ويقيلهم قبل «الطائف»، جاء تعديل المادة 53 ليسحبَ منه هذه الصلاحية، ويَسمح له بتسمية رئيس الحكومة المكلّف فقط، وبالتشاور مع رئيس مجلس النواب، استناداً الى استشارات نيابية ملزمة، يطلعه رسمياً على نتائجها).

وعلى رغم أنّ دستور «الطائف» لم يُخصّص رئيس الجمهورية بحصة وزارية، منَحه سلاحاً من نوع آخر، يُخوّله فرض كلمتِه. فمن دون موافقته وتوقيعِه «لا مرسوم ولا حكومة»، ويقول البعض: «فليَضع الرئيس فيتو على الأسماء المُلتبسة التي تحوم شبهات الفساد حولها، إلى أيّ جهة انتموا… وليختَر أسماء نزيهة، إلى أيّ جهة انتموا بدورهم».

وتؤكّد أطراف أنّ من حق رئيس الجمهورية الحصول على حصة وزارية في كل حكومة، وذلك جرياً على العرف المُعتمد في كلّ عهود ما بعد اتفاق «الطائف». وترى هذه الجهات أنه حتى لو قبلنا بتعريف رئيس الجمهورية بأنه حَكم، فكيف يَحكم بين الأطراف بلا صلاحيات أو أدوات؟ وتعتبر أنّه من المُفترض تثبيتُ عرفِ تخصيص حصة وزارية لرئيس الجمهورية حصراً، وأن تضمّ هذه الحصة وزراءَ من الطوائف المختلفة.

وتشرَح هذه الجهات أنّ رئيس الحكومة هو الطرف الأقوى، وليس بحاجة لأيّ حصص لأنه يملك بين يديه سلاحَ استقالة الحكومة، (المادة 69 من الدستور تنصّ على الحالات التي تُعتبر فيها الحكومة مستقيلة، ومن بينها استقالة رئيسها)، كما أنّ الدستور لم يُحدِّد أيّ مهلة للتأليف الحكومي وبالتالي لم يُقيِّد الرئيس المُكلَّف.

أمّا المرجع الدستوري الوزير والنائب السابق ادمون رزق الذي شارَك في صوغ «اتفاق الطائف» فيشرَح لـ»الجمهورية» أنّ «كلّ الحكومة من حصة رئيس الجمهورية، فمن دون توقيعه لا يصدر المرسوم». ويسأل: «لماذا يتنازل عن حصته الكاملة ويطالب بجزءٍ منها فقط، فليفرض رأيَه ويرفض أسماءَ وزراء ويقترح أسماءَ أخرى مشهوداً لها بنظافتِها وكفاءتها مع مراعاة التمثيل الطائفي والنيابي… ولا يُوقِّع على مرسوم تشكيلة حكومية يرى أنّ العملَ مع مكوّناتها مُستعصٍ».

وعلى الخط الدستوري نفسِه، تبرز مطالبات على صعيد تأليف الحكومة، مستندة إلى «أعراف» أو «اتفاقات جانبية» في «الطائف» حول تخصيص مناصب أو وزارات لجهات معينة. وفي هذا الإطار يشير رزق إلى أنّ الوزارة من الوظائف العامة، ولا تُخصص أيّ وظيفة لأيّ طائفة (المادة 95 من الدستور).

ويؤكد أنّ «كل ما اتُفِق عليه في الطائف موجود إمّا في الوثيقة حرفياً وإمّا في التعديل الدستوري حرفياً، ولم يكن هناك أيّ اتفاق لا في الكواليس ولا غيرها، لأننا حرصنا على تجسيد الاتفاق في نصوص، وما عدا ذلك لم يرِد إطلاقاً ولا يُمكن الاعتداد به أبداً». ويقول: «قد يكون هناك من فكَّر أو سوَّق ولكن لا شرعية إلّا لِما ورد في وثيقة الاتفاق الوطني وفي التعديلات الدستورية التي وضعناها، وكلّ ما عدا ذلك هو نوع من التمنّيات أو التكهّنات».