هل يمكن ان يتعظ السياسيون في لبنان من التفجير الانتحاري الذي وقع في قلب الضاحية الجنوبية وروَع سكانها بتكتيكه الغريب واسلوبه الارهابي والذي لولا بطولة احد الشبان المنتمين لحزب الله وشهادته كاد يوقع المزيد من الشهداء والجرحى ليتحد السياسيون في وجه الارهاب متناسين السياسة وخلافاتها وحصصهم بمواجهة الخصم الاعتى الذي يهدد الساحة الداخلية منذ ثلاث سنوات، وهل يعي السياسيون الرسالة الاساسية لخطورة قوافل الانتحاريين الذين تحركوا بصورة مفاجئة ولكنها كانت متوقعة في قاموس الامنيين والعارفين بنوايا الجماعات الارهابية وما تخططه للساحة اللبنانية؟ فذلك التفجير الارهابي له رسالة قوية ولتلك الجلسة التي عقدت قبل يومين تحت وطأة الضغوط رسائل وعبر ايضاً.
فخلاصات كثيرة يمكن تجميعها من الجلسة التشريعية لتكون عبرة في المرحلة السياسية تقول اوساط متابعة لأنها ستحكم المشهد السياسي العام، ومن اهم تلك الخلاصات ان السياسيين اذا ما اجتمعوا قادرون على مواجهة «داعش» و«النصرة» وتحرير العسكريين المخطوفين ربما وحل ازمة النفايات التي تغرق الشوارع، وان المسيحيين فيما لو توحدوا لكانوا قادرين على فرض شروطهم بدل عجزهم وتشرذمهم وضياعهم. صحيح ان الجلسة التشريعية ما كانت لتسير لولا التنازلات الكثيرة لكل أمراء الطوائف والكتل السياسية، لكن الصحيح ايضاً ان الموقف الموحد للقوات والتيار الوطني الحر تحت عباءة بكركي ورعايتها ساهم في بلورة وتغيير معادلات كثيرة.
وعليه فان الجلسة التشريعية لم تكن حدثاً عادياً وعابراً بحسب الاوساط، بل محطة مليئة بالخلاصات والعبر، فالقوات والتيار الوطني قررا انه لا يمكن تجاوزهما وتخطيهما في اتحادهما، وهما كادا يعلنان التعبئة والاستنفار لمواكبة الجلسة التشريعية فيما لم يؤخذ بموقفهما. الخلاصة الاخرى ان الجلسة التشريعية هي الاستحقاق الوحيد الذي خاضته القوات والرابية معاً منذ اعلان النوايا في حزيران الماضي، في حين كان ميشال عون في السابق يخوض المعارك وحيداً بدون مساندة مسيحية فعالة، ويقاتل على كل الجبهات الداخلية في مواجهة ماكينة المستقبل لاحداث تغيير واختراق في الوضع المسيحي دون ان يتمكن من تحقيق اهداف ونقاط رابحة في معاركه لا في قيادة الجيش او رئاسة الجمهورية او في معركة الترقية الامنية. وترى اوساط مسيحية ان زعيم معراب انجز مصالحته مع الرابية لكنه لم يوظفه في السابق في استحقاقات الجنرال او لمصلحته، وبالعكس استمر جعجع رغم ورقة النوايا التي حصنته مسيحياً على النأي بالنفس والحال السابقة بالعداء لحلفاء الرابية والتواصل مع السعودية واخصام عون وبرفض الحكومة والحوار، والسير بالتمديد كما قاطع تظاهرات التيار ونزوله الى الشارع.
أقل ما في التفاهم وانجازاته كما تقول اوساط سياسية ان نوعاً من الستاتيكو الجديد بات يحكم العلاقة بين معراب والرابية ويقوم على إلغاء التشنج السياسي وضبط النفس والحفاظ على الحد الادنى من البروتوكولات السياسية في التعاطي مع الاحداث وقد بدا ذلك واضحاً في طريقة مقاربة القوات للملفات الخلافية المستجدة بحيث بات التعبير عن الموقف من الاحداث مرتبطاً الى حد كبير باعلان النوايا من دون ان يعني ذلك ان القوات في صدد تسليف التيار مواقف مختلفة عن المرحلة الماضية او العكس ولكن طريقة مقاربة الملفات الخلافية والتعاطي بها باتت اقل حدة من السابق فموقف القوات من التعيينات الأمنية او التمديد في قيادة الجيش لا يشبه موقف تيار المستقبل او الكتائب وميشال سليمان، وبالتالي فان القوات رسمت خطاً احمر ممنوع تجاوزه مع الرابية وعممته على كل قياداتها ومسؤوليها.
لكن اعلان النوايا لمن يراقب كل التفاصيل التي تلت تلك المحطة لا يعني كما تقول الأوساط ان معراب ألغت نفسها لحساب هذا الاتفاق او ان الرابية في وارد الانقلاب على ذاتها وما انجزته من تفاهمات سياسية، فعون لا يزال في محور 8 آذار ويلتقي مع افكاره ورؤيته السياسية وسمير جعجع في قلب ثورة 14 آذار.