أن تنتمي إلى جبهة النصرة فذلك قد يعفيك من القتال في الجرود اللبنانية السورية ويخرجك سالماً من حقل المعركة ويفسح أمامك مجال الإختيار للمغادرة بسيارتك الخاصة أو بالباص إلى حيث تشاء في الأراضي السورية. أما أن تكتسب شرف القتال في صفوف «داعش» التنظيم الأكثر إرهاباً فذلك مدعاة لأن تنضم إلى رحلة برية (Wild Trip) حيث يفسح المجال لمنظمي ووكلاء الرحلات السياحية من حزب الله إلى النظام السوري إلى التحالف الغربي للتنافس في تقديم الخدمات على أنواعها. ودائماً وأبداً تحت المراقبة الأميركية والإصرار الإيراني على توفير كل مستلزمات التمتع بالقانون الدولي الإنساني.
كلّ الشكر للتحالف الدولي الذي أمّن الطعام والماء للقافلة فاطمأن قلبنا، والشكر موصول إلى الناطق بإسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي، الذي أعرب عن ترحيبه ودعمه للإجراء الإنساني للحكومة اللبنانية وحزب الله، والذي حذّر ــــ «مع الأخذ في الإعتبار سجل تعاون الإدارة الأميركية مع داعش» ــــ الولايات المتّحدة بأنّ قيامها بمحاصرة نساء وأطفال سيقود إلى انتشار العنف في المنطقة…. طبعاً العنف برأي السيد قاسمي لم ينتشر بعد في المنطقة. هذا من الوجهة السياحية، أما لجهة تأمين فرص العمل فالمجال مفتوح أمام الإرهابيين للقتال إما في درعا أو في إحدى المدينتين «البوكمال أو الميادين» على أن يتم تأمين العائلات في منتجع تدمر على همة وكالة النظام السوري للسياحة.
سقوط داعش المتسارع في الموصل ولبنان وتلعفر استوجب شراء بعض الوقت بهدف التمكن من جدولة المهل اللازمة لإنهاء الصراع وتوزيع النفوذ في سوريا، فكانت قبلة الحياة للقافلة الداعشية. قافلة داعش حاجة للنظام للإبقاء على مسوّغات وجوده كجزءٍ من الحملة الدولية لقتال الإرهاب ومأثرة من مآثره الإفتراضية لاستعادة موقعه في لبنان من بوابة القلمون، وهي ضرورة إيرانية لتبرير بقاء الأذرع العسكرية للحرس الثوري في سوريا ريثما يتمّ تقرير مصير الحدود السورية العراقية، وما هي كلفة الإبقاء على محور طهران بيروت مفتوحاً. وهي حاجة أميركية في العراق لبلورة الإفتراق بين عراق حيدر العبادي العراقي وعراق نوري المالكي الإيراني، على خلفية افتراق مقتدى الصدر عن مرجعية قُمّ. وهي حاجة أميركية كردية لتسعير الخلاف على الحدود السورية بين الأكراد والحشد الشعبي والذي باشرته عصائب أهل الحق مع البشمركة بعد معركة تلعفر، وهي حاجة كردية لإثبات جدارة البشمركة في العراق في قتال داعش وجدارة قوات سوريا الديمقراطية ذات القيادة الكردية، لتعزيز فرص توسيع نفوذها نحو المناطق المتنازع عليها مع بغداد، بالإضافة الى زيادة الثقة بكفاءتها في مشروع الإستفتاء المنتظر على الإستقلال. وداعش في نهاية المطاف وقبل أي اعتبار حاجة أميركية روسية لاستدامة العمليات العسكرية من أجل ترسيم مناطق النفوذ وتوزيع المكتسبات وإقصاء اللاعبين الإقليميين حيث تدعو الضرورة.
سحابة الغبار التي أثارتها قافلة داعش من جرود القلمون حتى دير الزور لن تنجلي قبل اتّضاح الموقف العملاني على معبر البوكمال / القائم، حيث سارع المنسحبون من القلمون الغربي ومن الجرود اللبنانية لملاقاة أقرانهم، وحيث ستتجابه الطموحات الإقليمية وترسو خريطة المصالح. الحدود العراقية السورية التي استُبيحت بالإتّجاهين منذ العام 2003 والتي كانت الإنجاز الأساس في تكريس دور طريق الحرير الإيراني في تصدير الثورة من طهران إلى بيروت، عادت اليوم إلى الواجهة، لتفتتح حقبة جديدة من إعادة الإعتبار للدولة الوطنية السيادية أو لتشريع واقعٍ لطالما اعتبرناه مؤقتاً .
مستقبل الدولة الوطنية في المنطقة، بأبعادها السياسية والإقتصادية والسيادية، رهن بما سيؤول إليه الصراع أو ربما الإتّفاق الدولي على الحدود السورية العراقية. فهل تعبّد قافلة داعش الحدود الوطنية أم تعبّد طريق الحرير الإيراني فتسقط معها سيادتنا الوطنية من بوابة الحدود السورية العراقية…