كان من المفترض أن تكون أواخر الأسبوع الفائت وحتى يوم الأربعاء من الأسبوع الحالي، وقتا عاصفا ومرعدا وممطرا إلى حدود دعت دوائر الأحوال الجوية للإعلان عن هذه الوضعية المضطربة، ووجوب أخذ الحيطة والحذر من سيولها وأخطارها وأضرارها، وقد خاب «ظن» تلك الدوائر، وخابت حساباتنا واستعداداتنا الإحتياطية للمواجهة والمجابهة، فكان الوقت الذي أعلن عن عواصفيته ورعوديته وغزارة أمطاره وشدة برده، وقتا على كثير من الهدوء والركون والإعتدال، شمسه شديدة الإشراق وحرارته وافرة الإعتدال.
حسابات الأحوال الجوية والمسؤولين عن تحديد وضعيتها والإعلان عنها، يبدو أنهم مرتبطون بوشائج قربى من أعلى المستويات مع أهل السياسة الغائمة والممطرة والهائجة والمائجة في لبنان، في هذه الايام العصيبة، وهؤلاء باتوا في واقع أحوالهم الذهنية والتصرفية والتحسبية، ينتمون نسبا وحسبا إلى نمطين من الناس، نمط أول يتزعمه البراجون والمبصّرون بقيادة ليلى عبد اللطيف، ونمط ثان ينتمون بحكم المراقبة العملية وقياسات المراصد الحديثة، إلى مسؤولي الأحوال الجوية، فحيث لم يعد هؤلاء يعلمون الناس بنتائج تبصيرهم وما تملي به علينا وعليهم، بصيرتهم الماورائية بأي طقس أو حالة جوية أو وضعية توجب اللباس السميك تحسبا للحرارات المنخفضة والتوقي من بردها وآثارها، هؤلاء ربما يجهلون أن وضعية الأحوال الجوية قد كانت عكس توقعاتهم تماما، بحيث بات ينطبق على هؤلاء المنجمين واولئك المخمنين في موضوع الطقس وأحواله، القول المأثور: كذب المنجمون ولو صدقوا، ومن وحي ما ذكرناه أعلاه، يمكن إضافة فئة ثالثة إلى هاتين الفئتين، متمثلة بفئة معينة من السياسيين الذين انغمست أياديهم واهتماماتهم وتصرفاتهم بأمور كثيرة، فوفاشية المضمون، ملتهبة الظاهر، عديمة الإنتاج، كارثية النتائج، كذا هم البصارون والمنجمون، وكذا الممسكون بآلات وبارومترات وحسابات الأحوال الجوية ، و… مع الأسف الشديد، كذا معظم سياسيي هذه الأيام، ولو شئنا أن نقيّم هؤلاء تقييما تاما شاملا في كل شؤونهم وشجونهم وأشكالهم السياسية وألوانهم الحزبية وتصرفاتهم الوطنية والذممية والأخلاقية، لاحتجنا في التعبير عن ذلك إلى صفحات وصفحات لا حد لها ولا نهاية. وإذ نتكلم اليوم ونحن في خضم هذه المقارنة بين أوضاع ثلاثة، فنحصر الحديث والنقد والتناول، بموضوع انتزع اهتمام الوطن والمواطنين وأخذ من حواسهم العاطفية والإنسانية كل نقاط المتابعة الحثيثة والدقيقة، ولم يسترع اهتمامهم التنازع والتباعد الوطني في تقييم هذا الحدث الجلل، الإختلاف العلاجي الواجب اعتماده لاسترجاع أبنائنا وأبناء الوطن وأبناء الجيش اللبناني بالتحديد، فاذا بيننا من يدعو إلى مبادلة الأسرى اللبنانيين بالموقوفين والمسجونين المنتمين إلى الجماعات التكفيرية وهي مبادلة معتادة تقوم بها الدولة اللبنانية وكثير من الدول الأخرى الكبرى والصغرى، وشأن المبادلة شأن أي مثيل لها، قامت بها دويلات لبنان، وما يحيط بها من متحرشين بالأوضاع الأمنية في لبنان وفي البلدان المجاورة، حتى إذا لم تستجب إلى مداخلاتهم وتدخلاتهم في الأوضاع اللبنانية على شتى أنواعها وأشكالها وألوانها، إذا بهم ينقلون الشغب والتحرش بل، وينتقلون بكل طاقاتهم وإمكاناتهم إلى الداخل السوري، وإلى أي داخل في الجوارات العربية، القريب منها والبعيد، والتي طالتهم الدويلة بمسلحيهم الأفاضل، وزرعت الخلل والتحارب والتصرفات المذهبية التي تشكلت منها جميعا، جملة من الوديان السحيقة والمزالق والمطبات، وباتت تهدد أوضاعنا الوطنية في لبنان بشتى صنوف الأخطار والأضرار.
هذا الثلاثي المرح المشار إليه أعلاه، لا يترك في جزئه الثلاثي شمسا الاّ وأخذ نورها، ولا طقسا جيدا الاّ وابتلع خيراته وايجابياته. من هذا القبيل هو يعادي بشكل أو بآخر، كل المساعي التي تبذل بواسطة أي مكان وأية جهة وأية دولة وأية منظمة، لننهض بأبنائنا في الجيش وقوى الأمن الذين يتعامل التكفيريون معهم تعامل الجزارين مع النعاج دونما مراعاة لصفاتهم ولأوضاعهم في وطنهم، وكونهم يذودون عنه ويحفظون أمنه وسلامة ابنائه، وفي مجتمعهم وعائلاتهم، كونهم أزواج وآباء تمسك برقابهم مسؤوليات الابوة وحليب الرضاعة وطعام الأطفال وواجبات التربية والتعليم، ها هي دولة تركيا ودولة قطر، يدعوهما البعض إلى واجب إنساني يطاول ابناءنا، وقد سبق أن قاموا بمثله، وأن نجح أداؤهم واستعيدت عائلات كثيرة وأبناء كثرا، وها هم اولئك الرافضون لوساطة هذه الدول ولأية مهمة يعهد بها اليها، فينفلش إعلامهم الخبيث في كل اتجاه، مفسرا الانسحابين القطري والتركي على هواه وبالنتيجة ، ومرة أخرى لم يبق في الميدان إلا حديدان: الدولة اللبنانية ومدير أمنها العام الجريء والمقدام والذي سبق له أن افلح في الكثير من مهام أمنية مماثلة دون ان ننسى منها خاصة، قضية مخطوفي اعزاز الذين أعيدوا إلى ديارهم وأهلهم وأولادهم بالسلامة والحمدلله، ومن مرحلة لاحقة، لم يسلم حديدان ايضا من المكابرة والمعايرة والتطفيش، فطفش مدير الأمن العام وحلت محله من جديد رابطة علماء المسلمين التي سبق أن نجحت في إطلاق سراح ما يناهز العشرة أسرى، وهي الأخرى تم تطفيشها واستبدالها بمساوم جديد مرتبط ارتباطا وثيقا بحزب الله، وتهيأ الكثيرون للقول بأن رابطة علماء المسلمين على اتصال وعلاقة بمنظمتي النصرة وداعش، وهما من المرحب بهما من قبل الخاطفين لعلاقة الرابطة بهم ولكنهم، ليحموا انفسهم عن مثل هذا القول المجبول بالإتهام نظرا لان تسليم أمور المفاوضة والمقايضة وإطلاق سراح المساجين ونساء مسلمات قيد الإعتقال والممارسات الشاذة، لا يمكن أن يحققه الاّ من كانت له علاقة ما بدويلة طائلة وقادرة على الإسترداد والإسترجاع والمقايضة، شأنها الحالي في ذلك، شأن حالات عديدة سابقة لها في هذا المضمار، وهي قبل عدة أيام فقط، إسترجعت أسيرا تابعا لحزب الله على حساب الدولة اللبنانية ومن بنكها الإستردادي الخاص، حيث وكما ذكرت كثيرات من وسائل الإعلام، قد تمت مبادلته بسجناء اسلاميين كانوا قيد التوقيف وتنفيذ العقوبة، حيث هم مسجونون في عهدة قوى الأمن. والذي اتهم هؤلاء بانهم كانوا من نزلاء سجن خمس نجوم، ها هو يراهم اليوم وقد انتقلوا بعد مفاوضات ومبادلات حزب الله بشأنهم، إلى النزول في فندق عشر نجوم.
أحوال… وأحوال تمر فوقنا جميعا، متبدلة متغيرة، لا ركائز لها ولا أسس هي كالغيوم، يوم هنا ويوم في بلد آخر، تسير في الأجواء وعين الله ترعاها، أما اللبنانيون، فهم يسيرون وليس من رعاية لهم الاّ في إطار سيء الأحوال والأعمال والسياسات والمشاكسات التي تكاد الا تترك أي أثر من آثار السلامة والغد المشرق… العزيز. إن قافلة الأسرى اللبنانيين تسير على غير هدى، وعين الدولة ترعاها.