على وقعِ تداخُلِ الحفريات، وهديرِ شاحنات جبل الباطون، وعودةِ الإعمار المتأنّية، يُسابق أهالي بريح الشوفية الوقتَ لترتيب عودتهم، واستكمالِ منازلهم «بَلكِي منصَيِّف السِنة هون». إلّا أنّ هذا السباق لم يمنعهم من الإعداد لاستحقاقٍ لا يقلّ أهمّيةً في حساباتهم عن استحقاقات أخرى خاضوها، مِن المصالحة إلى العودة، فهُم متشبثون بأرضهم، متعطّشون لعودة الحياة الديموقراطية والعيش المشترك، عبر انتخاب مجلسِهم البلدي بعد غياب تجاوَز عمرُه نصف القرن.
لا يختلف اثنان على أنّ لبلدةِ بريح خصوصية لا تتوافر في أيّ مِن القرى والبلدات الشوفية، فهذه البلدة ذات الخليط المسيحي (1550 صوت) والدرزي (1200 صوت)، تُحاول عائلاتها بما أوتيَت من قوّة أن تنزع من تحت أضراسها مرارةَ ما قاسَته من تهجير.
لذا فإنّ في خلفية حماستِهم للمشاركة في الانتخابات البلدية هاجساً لا يدركه إلّا مسِنّو بريح، الذين يصف بعضُهم المصالحة بأنّها لا تزال «طريّة»، ومِثلُ هذا الاستحقاق قد يزيد الشَرخ بين نسيج القرية الواحدة، متمنّياً ألف مرّة أن لا تتجرّع بريح كأسَ المعركة أيّاً يكن شكلها، مفضّلينَ التوافق، طالما إنّ الغاية الأساس الإنماء، نظراً لواقع البلدة واحتياجات أهلها.
في المقابل، تبرز فئة أخرى من الأهالي أكثر اندفاعاً لخوض المعركة، مراهنةً على وعي أبناء البلدة وأخذِهم العبَر من الماضي، بالإضافة إلى إيمانهم بأنّ على أهل بريح أن يقولوا كلمتَهم، ومِن حقّهم ذلك، أسوةً ببقية المواطنين.
تنافُس على أشدّه
يتكوّن المجلس البلدي في بريح من 12 عضواً، وقد ساد عرفٌ في الماضي أن تتوزّع 7 مقاعد للمسيحيين و5 للدروز، على أن يكون رئيس البلدية مسيحياً، ونائبُه درزياً. وعلى مستوى المختَرة، مختاران: واحد مسيحي، وآخر درزي.
ولكن مِن أجل إشراك جميع العائلات المسيحية والدرزية، وبهدف تقاسُم المقاعد البلدية مناصفةً بين البريحيّين وإحقاقاً للعيش المشترك تمّ التوافق على المجلس البلدي 6/6 بين المسيحيين والدروز، على أن يبقى رئيس البلدية مسيحياً ونائبُه درزياً.
أمّا المرشّح لرئاسة المجلس البلدي صبحي لحّود، فقد أوضح لـ»الجمهورية»: «أنّه حتى الآن ماضٍ في هذا الاستحقاق لإيمانه بحاجات البلدة، وإمكانية توفيرها من خلال المجلس البلدي»، قائلاً بنبرةٍ حاسمة: «ضيعِتنا بدّا ضيعة لتصير ضيعة»، قاصداً بذلك غياب الإنماء عن بريح.
وأضاف: «الضيعة برُمَّتها تحتاج إلى رعاية: بنية تحتية، مشاريع، أنشطة ثقافية، طرقات، الاهتمام بالزراعة، مخطط توجيهي… . لذا نحن نخوض الانتخابات في ضوء برنامج كامل متكامل يلبّي حاجات الأهالي».
ولدى سؤالنا له في وجه من تخوضون المعركة؟ أجاب: «لسنا ضدّ أحد، نخوض المعركة لمصلحة البلد، هناك مَن شكّلَ لائحة، وآخرون فضّلوا المشاركة منفردين»، مشيراً إلى «مساعي تكريس الموافقة ولكن من دون نتيجة مثمرة».
وعمّا إذا سيتولّى رئاسة البلدية لثلاث سنوات، فاسحاً المجال لغيره ضمن اللائحة، قال: «كلّ ما في الأمر أنّنا ترَشَّحنا لرئاسة البلدية في ولاية كاملة، ولينتخِب الأهالي من يَرونه مناسباً».
في المقابل، أعدّ العميد المتقاعد نبيل حسون لائحة «لأجل بريح»، وقد علمت «الجمهورية» أنّها ستكون بالتساوي (3 سنوات) بينه وبين المرشّح طانيوس لحود (في حال حصول الانتخابات). وفي هذا الإطار لفتَ لحّود إلى «أنّ الأمور في طور الاستكمال، والصورة النهائية لم تتبلوَر بعد»، مؤكّداً «أنّ المعركة البلدية إنمائية من أجل بريح، لذا وضَعت اللائحة برنامجَ عملٍ طويل وعميق، ليصلَ إلى نتيجة مرضية تحاكي حاجات البريحيين».
ويعبّر لحود عن تفاؤله في أن يُقبل الأهالي على المشاركة بكثافة: «أتوقّع أن تصل نسبة المقترعين إلى 55 في المئة، فرغم أنّ الحياة لم تعُد بكاملها بعد إلى القرية، لا بدّ من الحضور للمشاركة في الاستحقاق وتنمية البلدة».
أمّا المرشّح شكرالله كوكباني الذي كان لا يزال في إطار إعداد اللائحة، فيرفض اعتبارَ نفسه رئيساً لها، قائلاً: «نعمل ضمن مجموعة أعضاء متجانسين، لم نَختر بعد العنوان النهائي للّائحة، في ضوء النتائج نجتمع ونختار الرئيس».
الأحزاب على حياد
حيال احتدام المنافسة العائلية على رئاسة البلدية، فضّلت الأحزاب البقاءَ على حياد، بعدما وجَدت أن لا مصلحة لديها في دعم فريق على حساب آخر. في هذا الإطار، يلفت مصدر قواتي مواكِب للانتخابات إلى «أنّ اللوائح نسيجٌ من العائلات والأحزاب، ولا يمكن دعم أطراف على حساب أخرى، «كلّن أبناءنا»، بالإضافة إلى أنّ طابع المعركة عائلي».
وأضاف: «حاوَلنا في بداية الأمر حصرَ المسألة من دون معركة، إلّا أنّ العائلات هي مَن إختارت هذا الخيار، ونحن ترَكنا الأمر لها لتقرّر، فلا نريد التدخّل تاركين لها حرّية الاختيار».
إرجاء الانتخابات؟
على رغم الحياد الذي انتهجَته الأحزاب، إلّا أنّ الأجواء لم تخلُ مِن المنافسة التي لامسَت الحدّية بين العائلات، وكادت أن تؤدّي في أكثر من مرّة إلى خلافات، لولا تدخُّل عُقلاء القرية. وفي اتّصال لـ»الجمهورية» مع العميد حسون، لمعرفة ما إذا كان لا يزال ماضياً في ترشّحِه، أجاب: «الأجواء مربِكة، ونحن في انتظار استكمال الاتصالات لتنضجَ الأمور». وفي اتّصال مع طانيوس لحود، أكّد «أنّ الأجواء ضبابية، والأمور «شوَي ضايعة».
مِن جهته أوضَح كوكباني: «المساعي مستمرّة لامتصاص الانقاسامات وتعدُّد الآراء، والعمل على إمكانية التوصّل إلى لائحة مشتركة، متجانسة، خدمة لمصلحة بريح، ولكن أيّاً تكن النتيجة نحن مع إجراء الانتخابات، وأيّ حديث عن إرجائها لا صحّة له».
وفي هذا الإطار، أوضَح مصدر مواكب للمعركة الانتخابية، «أنّ الاجتماعات تتواصل يومياً حتى ساعات متأخّرة من الليل، في محاولةٍ لإرساء روح التوافق بدلاً من تزاحُم 3 لوائح». وأشار إلى «أنّ اجتماعاً سيُعقد مساء اليوم (أمس) لتوحيد الصفوف قدر المستطاع».
وهل قد تُلغى الانتخابات في بريح؟ أجاب المصدر: «نتيجة تشنّجِ الأجواء وانقسام العائلات، بعض عُقلاء بريح الكبار ينادون بإرجاء الانتخابات، نظراً إلى أنّ المصالحة هشّة والعودة لا تزال خجولة، لذا، كلّ الاحتمالات واردة في الدقائق الأخيرة».
وفي هذا السياق، لا بدّ من الإشارة إلى أنّه عرِض أكثر من خيار على المتنافسين، كالاتّفاق على تقاسُم الولاية، إلّا أنّ أحدهم بقيَ متمسّكاً بالاحتكام إلى الصندوق. وفي الختام، تبقى جميع الاحتمالات واردة والأجواء ضبابية بانتظار الحسم في 15 أيار الجاري.