IMLebanon

طبخة بحص!

لا يفاجئ الموقف الذي أعلنه وليد المعلم وزير خارجية بشار الأسد عشية مفاوضات جنيف.. ولا يفاجئ في المقابل، السقف الذي وضعه كبار المفاوضين السوريين.

الأول قال ان رئيسه «خط أحمر» وأن «لا مفاوضات» على مصيره. والآخرون قالوا ان بداية الحل هي «برحيل الاسد أو موته» وأن المرحلة الانتقالية لا تعني شيئاً آخر.

قد يكون ذلك، من طبيعة الأمور التفاوضية وبديهياتها، لكنه في الواقع يدل على اكثر من هذا بكثير، حيث ان التناقض الحاد في المواقف لا يعني سوى ان الحرب هي «المنطق» الوحيد الساري المفعول في النكبة السورية، وان المفاوضات لا تزال استثناء عابراً.. أو تعويذة سحرية مطلوبة لتقطيع الوقت والتناسق مع الهدنة القائمة راهناً والتي تعتبر الأولى من نوعها منذ عسكرة الثورة.

صحيح ان ارادة الاميركيين والروس هي التي فرضت تلك الهدنة. وهي التي ولّدت اساساً قرار مجلس الأمن 2254. وهي التي تدفع باتجاه استئناف التفاوض. لكن الأصح في مقابل ذلك، ان ميزان القوى على الارض لا يزال يمنع اي طرف من ادعاء القدرة على فرض رأيه، أو ان يحقق في جنيف ما عجز عن تحقيقه في الميدان السوري.

وتلك وضعية لا يتحمل «مسؤوليتها» الا الاميركيون والروس: كل طرف تكفّل بتخفيض سقف توقعات وآمال «حلفائه» المفترضين.. مع ارجحية واضحة في المسؤولية للجانب الاميركي الذي كان ولا يزال اللاجم الاول والوحيد لاحتمال الحسم عسكرياً ضد بقايا السلطة الاسدية تبعاً لوضعه (واكتشافه!) اولوية محاربة الارهاب، لكن ليس انطلاقاً من «مخاطره المصيرية» غير الموجودة على الحضارة البشرية، على ما يؤكد مستر اوباما، بل ترجمة لذلك السياق الفكري الذي «يعتنقه» والقائل بأن هذه الظاهرة (الارهاب) هي وليدة تشوّهات اسلامية داخلية لا تُعالج من خارج!

ولا يمكن ان تكون هناك نظرية انحس من هذه! أو أخبث! حيث ان اوباما يرى شجرة ولا يرى غابة! ويقطع الموضوع عن سياقاته كلها، بدءاً من «حالة» اسرائيل مروراً بسياسات ايران وصولاً الى ارتكابات الاسد جرائمه الفظيعة والعجيبة في مطالع القرن الحادي والعشرين.. ثم فوق ذلك، لا يتدخل بالشكل الكافي ضد تلك الظاهرة، في موضعيها السوري والعراقي، ولا يترك «الاكثرية» المعنية بـ»المعالجة» تتصرف بشكل حاسم في ذلك الاتجاه!

وللتذكير، فإن اوباما «توقع» ان تطول «الحرب على الارهاب»، لسنوات طويلة آتية! وهو «يتصرف» على هذا الأساس: يحاول من خلال التمسك بالهدنة السورية الراهنة، واطلاق طبخة البحص المسماة مفاوضات جنيف، تسكين (أو تأجيل) او منع(!) الجانب الاكثري الاسلامي والعربي، من الانطلاق فعلياً لـ»معالجة» قصة الارهاب هذه بالشكل الصحيح الذي لا ينفصل في كل حال، عن حسم الحرب ضد بقايا السلطة الاسدية المدعومة بالنفوذ الايراني وكل ظواهره.

قد تخيب هذه القراءة (وليتها تخيب!) لكن لا شيء يدل على ذلك، لا ميدانياً (حتى الآن) ولا غير ميداني، ولذلك، فان مفاوضات جنيف في الواقع هي «مرحلة انتقالية» بانتظار شيئين اساسيين: الأول ذهاب أوباما الى بيته، والثاني تغيير كبير في ايران!