Site icon IMLebanon

«طبخة» رئاسية جديدة

قد لا يكون مناسباً التفاؤل بتسوية رئاسية، لأنّ غالبية الإشارات باللون الأحمر. لكنّ معلومات يتداولها سياسيون يواكبون الملف توحي بأنّ من الممكن حدوث خرقٍ مفاجئ، مع دخول الفراغ عامه الثالث.

يقول هؤلاء السياسيون: خلال زيارة الرئيس فرنسوا هولاند الأخيرة للبنان، برز اتجاهٌ لدى بعض القوى الفاعلة للعودة بزخم إلى طرح الرئيس التوافقي. وتراهن هذه القوى على أنّ المعنيين جميعاً قد أصيبوا بالإنهاك وأنهم باتوا مستعدين للعودة إلى الواقعية، بعدما لمسوا أنّ الاستمرارَ في رفع السقف السياسي قد يصيبهم بخسائر غير متوقعة.

وفي رأي هؤلاء أنّ مناقشة «حزب الله» في الملف الانتخابي يبدو مفيداً في هذه المرحلة. فهو قد يتجاوب، بعدما حقَّق الأرباح التي أرادها بالسيطرة على القرار في السلطة، ولا مانع اليوم من قبوله بتسوية مرحلية تأتي برئيس توافقي لن يحدّ من نفوذه.

ويدور في الكواليس كلامٌ على تسوية محتملة في الملف الرئاسي تقضي بالتخلّي عن العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية معاً. وهذه هي المرة الأولى، منذ فترة طويلة، التي يعود فيها المعنيون إلى جسّ النبض جدّياً حول إمكان تسويق هذه الفكرة.

ويراهن هؤلاء على أنّ القوى المعنية بالاستحقاق، المحلية والإقليمية، ربما تجد مصلحة اليوم في التفاهم على مرشح توافقي، بناءً على المعطيات الآتية:

1 – إنّ من مصلحة المسيحيين، وتحديداً بكركي، والفاتيكان وفرنسا، الخروج من الانتظار العبثي لوصول أحد المرشحين عون وفرنجية، وإنهاء الفراغ.

2 – يهمّ إيران أن تبدي حسن نيّاتها وأن تتجاوب مع رغبة فرنسا في انتخاب رئيس للجمهورية. وسيجد «حزب الله» أنّ هذه الفرصة مناسبة للخروج من عون وفرنجية معاً واختيار مرشح تسووي.

وإذا كان فريق 14 آذار، أي تيار «المستقبل» و«القوات اللبنانية» قد اختارا مرشحَين كلاهما من فريق 8 آذار، بهدف ضمان عودة «المستقبل» إلى رئاسة الحكومة، فذلك يعني أنّ على «حزب الله» أن يأتي بالوسطي إلى رئاسة الجمهورية، ما ينزع الذريعة بالعودة إلى رئاسة الحكومة… فيرتاح من عبء «المستقبل» في السراي!

3 – إنّ الخيار التوافقي في رئاسة الجمهورية هو المفضَّل تقليدياً لدى السعوديين. وتشير المعلومات إلى أنّ «حزب الله» مقتنع بأنّ التغيير الحاصل في السياسة السعودية إزاءَ لبنان يشمل أيضاً بعض الحلفاء. ويملك «الحزب» معطيات تؤشّر إلى أنّ الرياض فتحت خطوطاً في الفترة الأخيرة مع عدد من القوى والشخصيات، بينها الرئيس نجيب ميقاتي وآخرون.

بالنسبة إلى هؤلاء المتابعين، إنّ «حزب الله» سيرتاح بصيغة الرئيس التوافقي، لأنّ المواقع في هذه الحال تكون كالآتي: الرئيس نبيه بري، حليف «الحزب»، يُمسك برئاسة المجلس من موقع وسطي منفتح على الجميع، على رغم كونه ركناً في 8 آذار.

وأما رئيس الحكومة فيكون في موقع وسطي وغير محسوب على «المستقبل». ويكون رئيس الجمهورية مستقلّاً، ما يعني أنّ التوازن السياسي الإجمالي في مؤسسات الحكم سيكون لمصلحة 8 آذار، فيما الصبغة العامة «وسطية».

ويعتقد هؤلاء المتابعون أنّ انتخابَ رئيس جديد ربما لا يكون بعيداً هذه المرة. فالسعودية معروفة تقليدياً بأنها تدعم الرئيس التوافقي. وأما إيران التي في يدها مفاتيح الانتخابات منذ عامين، فالأرجح أنها توافق على هذه الصيغة أيضاً إذا أُعطيت الثمن الذي تطلبه.

ويقول المواكبون: إنّ زيارة هولاند لم تثمر سياسياً، وكان ملفُ النازحين عنوانها الأساسي، لكنّ الرجل يلمس «نَفَساً» جديداً من جانب «حزب الله» والإيرانيين والسعوديين يمكن التأسيس عليه لابتكار مخرج معيّن.

فبعد زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني لفرنسا، في كانون الثاني الفائت، لمَس الفرنسيون استعداداً لدى الإيرانيين لكي يغيِّروا نهجهم السلبي مع باريس والاتجاه للتعاون في شأن الملفات الساخنة في الشرق الأوسط، ومنها لبنان. وتُرجِم هذا التعاون بانفتاح طهران على الأسواق الفرنسية وإبرام صفقاتٍ تجارية ضخمة.

لكنّ روحاني الذي كان أرجأ الزيارة من كانون الأول، بسبب هجمات «داعش» في العاصمة الفرنسية، أبدى عتباً شديداً على الفرنسيين، معتبراً أنهم ساهموا في تنمية الإرهاب بسبب مواقفهم من الحرب في سوريا ودعمهم القوى المتطرفة المقاتلة ضدّ النظام. وأراد روحاني أن تعتمد باريس سياسة شبيهة بسياسة أوباما في سوريا، لجهة الاعتراف بدور الرئيس بشّار الأسد في صناعة التسوية.

وقد وعد هولاند بتغيير في النهج، وطلب من روحاني تسهيلَ انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان. وأشار إلى أنّ التسوية التي يعمل عليها الحريري، والرامية إلى إيصال فرنجية إلى بعبدا، مناسبة للجميع، خصوصاً أنّ فرنجية حليف لـ»حزب الله»، ووثيق الصلة به.

وكان جواب الرئيس الإيراني آنذاك بأنه سيبذل ما يستطيع لتأمين انتخاب رئيس، لكنّ اختيار الاسم يعود إلى اللبنانيين أنفسهم، وأنّ «حزب الله» له خياراته في هذا الملف، بناءً على معطيات وخصوصيات محض لبنانية.

وتالياً، إنّ إيران لن تمارس ضغطاً على حلفائها لتسويق اسم معيّن. وتبلَّغ الحريري هذا القرار الإيراني من هولاند. لكنه بقي يراهن على تسويةٍ يقتنع بها بري وجنبلاط، وتحصل على تغطية بكركي وقوى مسيحية لانتخاب فرنجية.

وفي الأشهر الأخيرة، تحرَّك الفرنسيون في اتجاه نظام الأسد، على مستويات أمنية رفيعة. لكنهم حاذروا أن يفسِّر السعوديون ذلك بأنه انقلاب عليهم وعلى المعارضة في سوريا، فيشملهم الغضب الذي يشعر به السعوديون تجاه أوباما، الذي تتهمه الرياض بالتواطؤ مع طهران على صفقات تُكرِّس نفوذها في المنطقة، بدءاً بالملف النووي.

وهكذا، فالجمود في الملف الرئاسي بقي محكوماً، بثلاثة معطيات:

– تردُّد الفرنسيين وخوفهم من الذهاب بعيداً في الانفتاح على إيران والأسد و»حزب الله».

– رغبة الإيرانيين في إبقاء لعبة الرئاسة عالقة بين أيديهم لاستثمارها عند الحاجة.

– الغضب السعودي على إيران وفرنسا، وربما على الحلفاء أيضاً، لأنهم تخاذلوا ولم «يقاتلوا» ضدّ إيران و»حزب الله».

ويستنتج هؤلاء أنّ الإجراءات السعودية إزاءَ لبنان، التي بدأت بتجميد هبة السلاح الفرنسي، ربما لم تكن رسائل إلى إيران و»حزب الله» فحسب، بل إلى الحلفاء خصوصاً، وأيضاً إلى فرنسا، في شكل غير مباشر، ردّاً على فتح الفرنسيين خطوطهم في اتجاه نظام الأسد. فهل التفاؤل النسبي الذي يُعبِّر عنه هؤلاء المتابعون واقعي ويمكن أن يؤسِّس لنتائج ملموسة في الملف الرئاسي؟

مقابل هذه الأجواء المتفائلة بحذر، هناك الذين يعتقدون بأنّ التعثّر مستمر. ويستند هؤلاء إلى أجواء زيارة السفير الفرنسي إيمانويل بون لرئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، قبل زيارة هولاند لبيروت، والتي حاول فيها بون استطلاع إمكانات اللقاء مع هولاند والتفاهم مع «الحزب» حول الرئاسة. وقد أكد رعد أنّ «الحزب» لن يتراجع عن دعم عون. ثمّ جرى الحديث عن إشكال بروتوكولي.

فـ«الحزب» يريد لقاءَ عمل محدَّداً مع هولاند، لا لقاءً بروتوكولياً جامعاً كما حصل في قصر الصنوبر. وأدرك هولاند أنّ «الطبخة» لم تنضج في لبنان، وأنّ زيارته لبيروت ستكون بلا نتيجة سياسياً، وكاد أن يلغيها لولا… ملف النازحين.

فهل هناك فعلاً مجال لمفاجأة في الملف الرئاسي، في الأسابيع المقبلة، أم تنتهي موجة التفاؤل النسبي كما انتهت سابقاتها؟