حيرةٌ، صمتٌ وتساؤل… هذه هي الأجواء الباردة التي عكَستها مشهدية ساحة النجمة ونوّابها الحاضرون الذين لم يتخطَّ عددهم الـ 40. إلّا أنّ حضورهم على مضض كان واضح المعالم وهو لم يكن بالتأكيد لإنتخاب الرئيس المفترض للجمهورية، بل كان واضحاً للمراقبين والإعلاميين أنه كان حضوراً استطلاعياً يهدف الى رصد المواقف واستمزاج الآراء والتقاط الإشارات، خصوصاً تلك التي من شأنها أن تؤكّد لهؤلاء ثبوت التسوية الرئاسية الإنقاذية أو سقوطها.
في محصلة الجلسة الثانية والثلاثين لانتخاب رئيس للبلاد، خيّم الصمت على وجوه الحاضرين عاكساً أخبار التسوية الرئاسية، فيما كان اللافت بعد تعذُّر تأمين النصاب، تقريب موعد الجلسة المقبلة، فحدّدها الرئيس نبيه بري بعد أسبوعين، أي يوم الأربعاء 16 الجاري، ليتساءل النواب والإعلاميون عن سرّ تقريب الموعد على غير عادة.
ففي حين ربَط البعض تقريب الموعد بتلافي زحمة الأعياد وضغوطها أو برغبة الرئيس برّي في محاولة إنقاذية لجلسة رئاسية تُكلّل سلسلة إنجازات الدولة قبيل عيدي الميلاد ورأس السنة، لفت البعض الآخر الى احتمال أن تحمل جلسة الـ33 مفاجأة ما، وذلك في ضوء نضوج أو سقوط التسوية الرئاسية الإنقاذية التي تتظهّر معالم نضوجها يوماً لتخبو في اليوم التالي.
مشهد مختلف
وبالفعل شكّلت هذه التسوية مدار بحث في جلسة الأمس بين مختلف السياسيين والإعلاميين، الذين حضروا الى ساحة النجمة، بل كانت شغلهم الشاغل. إنما اللافت في مصافحات الأمس كانت البرودة التي انعكست على وجوه بعض النواب من فريق «14 آذار» و«المستقبل» بعكس ما كان يحصل سابقاً حين كانوا يجتمعون سوياً وتدور النكات والتحليلات والتعليقات على معطّلي جلسات الإنتخاب الرئاسية.
إلّا أنّ المشهد اختلف أمس ولم يكسر جموده وبرودته، سوى تصريح لنائب رئيس حزب «القوات اللبنانية» جورج عدوان، إعتبر فيه أنّ «القوات ملتزمة مشروع «14 آذار» وأنها لا تدخل في تسوية بعيدة عن الدستور والقانون.
بعض النواب فضّل الصمت، فيما ظهر التباين في آراء البعض الآخر الذي اعتبر أنّ فرنجية هو من بين الأقطاب الموارنة المسيحيين الأربعة الأقوياء الذين يستحقون الوصول الى الرئاسة، فيما تساءل آخرون عن النتيجة المحتملة في حال أصرّ الأقطاب المسيحيون وضع فيتو على شخصه.
عدوان أوضح الأمر بالقول إنّ «القوات لا تأخذ مواقف من الأشخاص، إنما من مشروعهم»، فيما ذكّر النائب سامر سعادة في دردشة مع الإعلاميين بثوابت «الكتائب» من الملف الرئاسي، مشدّداً على ضرورة إنتخاب رئيس يلتزم حياد لبنان وقانوناً عادلاً يحترم صحة تمثيل جميع الأطياف، لكنّ سعادة أكد ضرورة حصولهم على أجوبة من الرئيس العتيد توضح نظرته من سلاح «حزب الله» وتدخّله في سوريا.
وفي السياق لم يستطع سعاده تأكيد أو تحديد موعد إعلان الرئيس سعد الحريري تبنّيه ترشيح سليمان فرنجية الرسمي، مكتفياً بالقول إن التسوية ما زالت في إطار المشاورات مع مختلف القوى.
ضباب في الأفق
مع إرجاء برّي الجلسة الى 16 كانون الأول، تبقى الأمور ضبابية وغير محسومة، لكنّ المعطيات تشير الى أنّ التسوية تُطبخ على نار هادئة وتتأرجح بين مدّ وجزر، فيما يترقب المتابعون والمعنيون نتائج العشاء الودّي الذي لبّاه فرنجية ليل أمس الى مائدة رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط في كليمنصو، فيما تقول أوساط قريبة من الطرفين أنّ التسوية قد تُطرح بقوة.
وقد علّق بعض النواب من فريقَي «14 و8 آذار» على حدّ سواء خلال الدردشات في مجلس النواب على اللقاء المرتقب الذي سيُعقد في فرنسا بين الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند والحريري، آملين جرعة دعم فرنسية. لكن العارفين منهم متيقنون أنّ ما صلُح في الأمس لا يُصلح لليوم، لأّن المشهد الإقليمي سنة 2015 يختلف كثيراً عما كان عليه عام 2005، فالصورة تبدّلت بما فيها الظروف والاحداث والمصالح والتحالفات وحتى الاشخاص…
أما جلسة 16 كانون الأول فتطرح حولها أسئلة عدّة: هل ستكون الجلسة ثابتة وتحمل رئيساً الى القصر الجمهوري؟ وهل ستنجح التسوية أو ستسقط؟ وإذا سقطت هل ستدخل البلاد في المجهول وفق قول الوزير وائل أبو فاعور؟