وحده الرئيس السابق للحزب “التقدمي الاشتراكي” إتبع الخط الوسطي والانفتاح على الجميع، مفضّلاً الحوار في الملفات والاستحقاقات الهامة، لذا ينادي دائماً به وبالتروّي والحكمة قبل إتخاذ اي قرار، اذ بات يحفظ خط الرجعة مع اكثرية الاطراف، خصوصاً مع حزب الله الذي لا يعاديه لوقت طويل، بل يهادنه لوقت أطول، ويرسل الغزل السياسي في اتجاه حارة حريك فاتحاً الدروب نحوها، وما زال يحافظ على هذا النمط منذ فترة ويبدو انه سائر بها، لانه جرّب كل الاتجاهات من اليمين الى اليسار، فعاد ليستقر مع حزبه و”اللقاء الديموقراطي” في خط وسطي، جعله يتميز عن باقي الافرقاء السياسيين المتناحرين حتى اليوم، فيما جنبلاط هادئ ومستقر على مواقفه، لا يريد ان يعادي أحداً في هذه الاوضاع والاجواء السياسية القاتمة.
الى ذلك، التزم جنبلاط مراراً بما يشبه الصمت في بعض الملفات الصعبة، مستعيناً بالمحادثات والمفاوضات قبل إعلان الرأي النهائي، خصوصاً اذا كان يناقض موقف حارة حريك، وبدورها لا تردّ في معظم الاحيان على تصاريح جنبلاط، خصوصاً حين كان في الضفة الاخرى، اي هنالك ما يشبه العلاقة المستمرة غير القابلة للقطيعة بين الطرفين، وهي لم تصل في اي مرة الى ذلك، بوجود الوزير السابق غازي العريضي الذي يحظى بعلاقة جيدة مع مسؤولي حزب الله منذ سنوات، وهو الوحيد تقريباً من “الاشتراكيين” الذي لم يهاجم الحزب مرة.
وسط هذه الايجابية تتواصل اللقاءات منذ اشهر بين جنبلاط ونجله النائب تيمور ونواب “الاشتراكي”، مع بعض نواب ومسؤولي حزب الله، لتنظيم التباين وتقليص المسافات المتباعدة بين الحزبين.
هذا الانفتاح على حزب الله يترجم كل فترة بلقاء في كليمنصو، وآخره ما جرى عصر اول من أمس الاربعاء، خلال زيارة وفد من حزب الله ضمّ المعاون السياسي للأمين العام للحزب حسين الخليل، ومسؤول وحدة التنسيق والارتباط وفيق صفا، في حضور النائبين تيمور جنبلاط ووائل أبو فاعور والوزير السابق غازي العريضي، جرى خلاله البحث في ملفي الرئاسة وقيادة الجيش، والمرحلة الراهنة عموماً، إضافة الى الوضع الامني في الجنوب والحرب على غزة، وانعكاسها على الوضع الجنوبي ولبنان عموماً. وقد شدّد جنبلاط على ضرورة ألا يُستدرج لبنان الى الحرب، ناقلاً الى الخليل وصفا ما سمعه من مدير المخابرات الفرنسية برنار إيمييه، الذي زار بيروت قبل ايام قليلة، والتقى عدداً من المسؤولين اللبنانيين بعيداً عن الاضواء. فأكد الوفد أن الحزب يعتبر نفسه معنياً أمام ما يحصل في غزة، وهو لا يريد التصعيد لكن لا يستطيع أن يعطي تطمينات لأحد.
كما تناول اللقاء ملف التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون، ووفق ما قال النائب هادي ابو الحسن: “لا زلنا في مرحلة التشاور حول أي اقتراح قانون يتم إعتماده للتمديد لقائد الجيش، متى حُددت الجلسة التشريعية”، مما يعني انّ المناقشات سارية في إنتظار التوافق حول هذا الملف.
في السياق، تعتبر مصادر سياسية مواكبة لسياسة المختارة، بأنّ جنبلاط لن يدعم مرشحاً الى الرئاسة لا يوافق عليه حزب الله، والايام المقبلة ستؤكد ذلك، ورأت ان زعيم المختارة لن ينزلق سياسياً كما يرى البعض، لأنّه يدعو الى الحوار والتفاهم مع الجميع، وهو اتخذ الخيار الصحيح من خلال مناداته بالحوار، الذي لا بدّ في نهاية المطاف من أن يُحدث خرقاً في جدار الأزمات، وبالتالي فالمختارة ليست مع محور ضد آخر، بل تنادي بالوسطية.
وأشارت المصادر المذكورة الى انّ إعلان الجواب الحاسم من الطرفين، حول ملف التمديد يحتاج لبعض الوقت، بسبب وجود خيارات منها التمديد والتعيين وتأجيل التسريح أو تعيين قائد للأركان، معتبرة بأنّ جنبلاط كان وما زال وسيبقى بيضة القبان في كل إستحقاق، اذ كان يقلب الاوضاع رأساً على عقب، وبطريقة فجائية يجعل كل الافرقاء السياسيين يتقرّبون منه لغايات سياسية ومصالح خاصة، لكن كان دائماً “يقطفها” فيخرج منتصراً من اي ملف او قضية عالقة، وفي آخر الدقائق الحاسمة، لانه من اكثر السياسيين قدرةً على قراءة عناوين المرحلة الحالية والمقبلة، فهو ينسى فجأة الخصومة السياسية مع أي فريق، حتى لو حمل العداء له، فيعود أدراجه لينتفض على ذلك العداء، لانه يرفض العودة الى زمن التقوقع كما يردّد دائماً بعد أي عملية إنفتاح فجائية، لذا يعمل دائماً على تأسيس مرحلة جديدة مع الآخر، بحسب المصالح السياسية.