بات الجميع على قناعة، بمَن فيهم الأكثر تفاؤلاً، بأنّ جلسة الـ 28 من أيلول لن تحمل جديداً رئاسياً.
مؤشرات ذلك بدت واضحة في الجلسة الأخيرة التي جمعت تيار «المستقبل» بـ»حزب الله»، وقيل إنّ وفد الحزب سأل «المستقبل» عن الجديد في ملف رئاسة الجمهورية وموقفه النهائي من تبنّي ترشيح العماد ميشال عون. وجاء الجواب ملتوياً: «قبل أن تسألوا عن موقفنا اسألوا عن موقف الرئيس نبيه برّي». كان الجواب يؤشر ضمناً إلى عدم وجود قرار بعد.
في مرحلة سابقة، تروي كواليس السياسة اللبنانية أنّ برّي مال للرئيس سعد الحريري عندما أتاه مستمزجاً رأيه بالسير في خيار عون: «هل أنت بسيط لهذه الدرجة لتسير بخيار عون؟ فأنت غير قادر على التفاهم معه وهو لا يزال مرشحاً لرئاسة الجمهورية، فكيف الحال إذا أصبح رئيساً للجمهورية؟». ما يعني أنّ جواب تيار «المستقبل» كان بمثابة الاختباء وراء موقف برّي.
لا شك في أنّ الحريري بات يميل ضمناً وبشكل كبير إلى خيار عون، لكنّ المشكلة أنّ السعودية لا تزال عند موقفها كونها تتعامل مع الأزمة في لبنان من منظار الصراع العريض الحاصل في المنطقة بينها وبين إيران، وهي تعتبر وصولَ عون بمثابة خسارة ورقة إقليمية مهمة.
لذلك هناك مَن يتحدث عن تأجيل الحريري قرار عودته الى بيروت، والذي كان مقرّراً غداً الجمعة، وهذا مؤشر إضافي إلى عدم وجود أيّ معطى رئاسي جديد. ذلك أنّ عودة الحريري كان يجب أن تقترن بقرار من اثنين:
الأوّل، السير في خيار عون رئيساً للجمهورية، وهو ما يعني إما السير بهذا الخيار بعد الحصول على مباركة السعودية وهو ما يسعى اليه الحريري، أو الاندفاع به رغم اعتراض الجميع ومن دون المبارَكة السعودية، وهو ما يحاذره الحريري ولكنّ عون يراهن عليه.
كثيرون يعتقدون أنّ تفاؤلَ عون مبني على أوهام، لكنّ الحقيقة أنّ نادر الحريري نقل ولا يزال مواقف واضحة الى عون عبر الوزير جبران باسيل تشجّعه على التفاؤل وتتضمَّن رؤية لتسويق القرار وكيفية إخراجه بما معناه أنّ القرار متّخذٌ وهم يطلبون إجابات على بعض الأسئلة.
أما القرار الثاني، فهو وضع خيار عون جانباً وبشكل نهائي والشروع بسياسة المواجهة الإعلامية مع «حزب الله» والانسحاب من الحكومة ومن طاولة الحوار مع «حزب الله» تحضيراً للانتخابات النيابية المقبلة.
من دون أحد هذين القرارين، لا يبدو الحريري مستعداً للعودة ولو أنّ الوقت بدأ يضيق أمامه لاعتماد أحدهما.
في الكواليس السياسية تضاربٌ في الرؤية وتناقضٌ في التقويم بسبب الضبابية التي تحيط بالموقف السنّي من خيار عون. لكنّ في هذه الكواليس كلاماً كثيراً عن الاستحقاق النيابي ربيع العام المقبل ولو أنّ التشكيك يبقى موجوداً.
برّي يُردّد بإصرار أمام زواره أنّ الانتخابات النيابية حاصلة في مواعيدها الدستورية، «ولو نزلت السما على الأرض». و»حزب الله» بدوره باشر بعيداً من الأضواء التحضير جدياً للاستحقاق النيابي المرتقب، وهو شكل لجاناً سرّية مهمتها درس الواقع الشعبي والتحالفات المتوقعة على أساس نيل الغالبية النيابية.
لكنّ المحاذير تبقى مع اعتماد القانون الحالي، إذ إنّ الأطراف المسيحية ستعلن رفضها القانون المعمول به حالياً، ولو أنّ الجميع يُدرك أنّ انقضاء هذا العام من دون إقرار قانون جديد سيعني أنّ القانون المعتمد حالياً يصبح أمراً واقعاً لا مفرّ منه. لكنّ القوى المسيحية ستوظف معارضتها للقانون الحالي في إطار تعبئة مناصريها والشارع لاستثمارها في صناديق الاقتراع.
والمحظور الثاني وهو الأهم، يتعلّق بوضع تيار «المستقبل» المالي والشعبي ما يجعله متردِّداً في خوض هذا الاستحقاق في موعده. وفي أسرار الكواليس أنّ تيار «المستقبل» وفي نهاية شهر آب حاول جسّ نبض «حزب الله» حول إمكانية التمديد سنة إضافية لمجلس النواب من دون أن يلقى جواباً مؤيّداً من الحزب الذي يرى في الظروف الحالية فرصاً جيدة لإجراء الانتخابات لصالحه.
لكن، هنا سيبرز موقف بري الحريص ضمناً على موقع الحريري كما على النائب وليد جنبلاط. فهل سيدفعه ذلك لاحقاً لتعديل موقفه وإيجاد المخارج المطلوبة؟
غير أنّ قيادة تيار «المستقبل» وإزاء عدم ضمان احتمال تأجيل الاستحقاق، باشرت في وضع الأطر العريضة لكيفية خوض هذا الاستحقاق في حال أصبح واقعاً حتمياً. وقيل إنّ التمويل الانتخابي سيجري التعويض عنه من خلال إدخال مرشحين متموِّلين الى اللوائح، يأخذون على عاتقهم مسألة «المصاريف» الانتخابية.
أما بالنسبة الى التحالفات، فإنّ كلاماً يدور حول الطلب من السعودية رعاية لوائح ائتلافية بين القوى السنّية تضمن عدم حصول اختراقات وتضمن توحيد الصوت السنّي.
لا بل أكثر، هناك مَن يتحدث عن استعادة «القوات اللبنانية» من حضن عون وضمّها الى لوائح «المستقبل» تحت شعار إعادة إحياء فريق «14 آذار»، ولو من خلال «يافطة» تصلح للاستحقاق الانتخابي فقط وتُمزَّق في المرحلة اللاحقة. إستحضارُ صراع «8 و14 آذار» لشدّ الساحات والعصبيات وضمان نتائج الانتخابات وبعدها لكلّ حادث حديث.
وكدلالة على ذلك، تجزم مصادر مطلعة بأنّ رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع غارق في ملف الاستحقاق النيابي، وهو الذي بات يستبعد كلياً أيَّ جديد في الشأن الرئاسي. وهو يضع مقارباته وحساباته على أساس احتمالين: إما خوض الانتخابات بالتحالف مع عون وهذا سيعني خسارته العلاقات مع السعودية وهذا خط أحمر بالنسبة إليه، أو بإعادة إحياء تحالفاته القديمة في مواجهة «التيار الوطني الحر» و»حزب الله» وهو ما سيؤدي الى إعادة فرز الساحة المسيحية الى قسمين.
لكنّ الأخطر أنه في حال حصول هذه الانتخابات، فإنّ ذلك سيعني الغرق أكثر في المستنقع. إذ إنّ الحكومة ستصبح مستقيلة وسيرفض النواب المسيحيون انتخابَ رئيس لمجلس النواب من دون انتخاب عون رئيساً للجمهورية. أو بمعنى آخر فراغ في الرئاسات الثلاث والأرجح الفوضى.
وحتى إذا لم تحصل الانتخابات النيابية، فإنّ المجلس النيابي سيكون أمام خطر عدم التمديد له، وبالتالي فراغ في رئاسة الجمهورية وفي مجلس النواب وحكومة مشلولة إذا لم تكن مستقيلة.
إنهيارات في المؤسسات الدستورية قد تصاحبها فوضى في الشارع وربما أكثر، ليصبح المؤتمر التأسيسي الملاذ الأخير لا بل الخلاص المطلوب وسط زلزالٍ إقليميٍّ مستمر ومتصاعد.
إنه ليس سيناريو من وحي الخيال بل حسابات يجرى تداولها بجدّية مطلقة وعلى نطاق ضيّق جداً ننقلها بكلّ أمانة. في العام 1990 أصبحت التعديلات الدستورية التي سمّيت بـ»اتفاق الطائف» مطلباً ملحّاً للخلاص من جحيم الحرب بعدما كانت مرفوضة بشكل كبير منذ العام 1975.