IMLebanon

دلع السلطة وهلع اللبنانيّـين… والثورة المنتظرة

أشهر مضت، ولبنان غارق بين أكوام النفايات، فيما الحلول الموعودة تتنقّل بين الفرز والطمر والترحيل والعودة الى المطامر. وإذا كادت هذه الأزمة أن تولّد شبه ثورة شعبيّة إنحرفت عن مسارها لاحقاً، إلاّ أنّ الجمرَ ما زال تحت الرماد، وقدّ تشتعل ثورة شعبية ثانية في حال لم تسارع الحكومة الى حلّ هذه المعضلة.

من المفارقات الغريبة في السياسة اللبنانية، أن تُهدّد السلطة الحاكمة الشعب بالإستقالة، ولو كانت الأمور تتحمّل التمثيلَ أكثر، لكان مناصرو هذه السلطة قد نزلوا الى الشارع للمطالبة بعودة الحكومة عن إستقالتها في حال تمّ ذلك.

ويستغرب بعض الدوائر السياسيّة الوضع المتردّي الذي وصل إليه لبنان، من دون إغفال العوامل الخارجية المؤثرة في الساحة اللبنانية. في وقت لم يعد بالإمكان إخفاء وجع الناس وجوعهم، على رغم وجود حلقة ضيقة تستفيد من الفلتان الحاصل لتستكمل عملية نهب وسرقة مقدرات الدولة التي هي بالأساس ملك الشعب اللبناني.

والغريب أيضاً حسب المراقبين، هو درجة الإنحطاط الذي وَصلت إليه الحياة السياسية، وسط غياب المحاسبة وتطبيق بعض النافذين المثل القائل: «الرزق السايب بعلّم الناس الحرام».

ومن عجائب السياسة اللبنانية التي تفوق السبعة والسبعمئة، كيف تكون حكومة عجزت عن حلّ ملف النفايات منذ أشهر، حاجة وطنية، حيث أصبحت «الزبالة» جزءاً من المشهد الوطني ومن المناقشات اليومية، وقد اتخذت حيّزاً مهماً من لقاءات المسؤولين اللبنانيين مع مسؤولي الدول الكبرى، وحتى المافيا الروسية التي يسمع عنها اللبنانيون ويشاهدونها في الأفلام، دخلت في هذا الملف، لكنّها خرجت خائبة وربما مهزومة، لأنه ثبت أنّ المافيا اللبنانية تتفوّق عليها بأشواط، تلك المافيا التي تحكم بلد الأرز وتحوّل غاباته الى مكبٍّ للنفايات.

وفي خضمّ كلّ هذه المعمعة، تلتئم اليوم اللجنة الوزارية المخصّصة لدرس ملف النفايات، في وقت عبّر بعض الوزراء عن ذهوله لما آل اليه هذا الملف. ويتحضّر المجتمعون لمناقشة العودة الى المطامر مجدّداً وسط الوعود التي تلقاها رئيس الحكومة تمام سلام من القوى السياسية بتسهيل فتح مطامر جديدة باتت معروفة وتعهّد القوى السياسيّة بالتعاون لحسم هذا الملف.

لكنّ عقباتٍ كثيرة ستحول دون العودة الى الطمر، أبرزها أولاً رفض بعض الأهالي إستحداث مكبات في مناطقهم، وثانياً عدم جدّية القوى السياسية في حلّ هذا الملف حتّى الساعة، أما العائق الثالث والأهم فهو تمويل إستحداث المطامر حيث تبرز مشكلة الشحّ المالي في خزينة الدولة بعدما ووجهت محاولات الحكومة البحث عن مصادر تمويل عبر فرض ضرائب جديدة على المحروقات والسلع، برفض شعبيّ عارم، فتراجعت. ويبرز أيضاً عائقٌ رابع يتمثل في غياب القرار الحازم بفتح المطامر، إذ إنّ السلطة الحاكمة تفتقد الى أدوات الإقناع والتطبيق.

ووسط الغضب الخليجي على لبنان، لم يعد بالإمكان الطلب من دول الخليج تمويل بعض المشاريع، خصوصاً أنّ هذه الدول كان لها الفضل الأكبر في تنفيذ بعض الخطط والمشاريع التنموية، وهي اليوم لن تدعم لبنان لمعالجة ملفّ النفايات أو إستحداث مطامر أو محارق، على رغم أنّ جزءاً كبيراً من تزايد النفايات سببه أزمة النزوح السوري التي من واجب الدول المانحة مساعدة لبنان على معالجة تداعياتها.

بين دلع السلطة في معالجة المشكلة وازدحام المستشفيات بسبب الفيروسات والميكروبات الناتجة عن تخمّر النفايات في الصيف وتشبّعها رطوبة وأمطاراً في الشتاء وتلوّث الهواء، يبقى خيطٌ رفيع يربط إستمرار الحكومة العاجزة بالوضع السياسي الشاذ والناتج عن غياب رئيس الجمهوريّة، وإنحلال مؤسسات الدولة وسيطرة شريعة الغاب، فيما الشعب يعطي الفرصة تلوَ الأخرى لهذه الطبقة الحاكمة، على أمل أن يستيقظ من نومه العميق.