Site icon IMLebanon

الكورونا، فيروس على محور بيروت طهران

 

 

 

دخل فيروس كورونا لبنان من بوابة قمّ، ولم تفلح السلطة بالنأي بلبنان عن هذا الوباء كعادتها في كلّ المحطات الحرجة المتعلّقة بتثبيت فكرة الدولة على المستويين السياسي والإقتصادي، وهذه المرة من بوابة ما تبقّى من الأمن الصحي الوطني. أحرج الفيروس القادم من إيران السلطة فلجأت، في محاولة لتبرير الذات من تبعة اتّخاذ قرارات حازمة، الى مقارنات غير موضوعية مع الدول التي استعادت مواطنيها من الصين حيث ابتدأ الوباء بالتفشي فعزلتهم على نفقتها واتّخذت إجراءات جريئة للسيطرة على حركة الموانيء الحدودية.

 

في لبنان اجتمعت خليّة الأزمة بعد دخول الإصابة الأولى الى لبنان. وبالرغم من إعلان إيران عن وفاة حالتين بالفيروس الجديد، لم يعنِ ذلك شيئا للحكومة المفترض أنّها مدركة لحركة انتقال اللبنانيين من وإلى إيران. حاولت وزارة الصحة اللحاق بالتداعيات ولكنّ دورها لم يرقَ الى مستوى قيادة سلوك المواطنين ووضع بروتوكول للإجراءات الوقائية لا سيما على المرافق الحدودية وتوفير المستلزمات الطبية في المراكز الصحية الرسمية. تهافت اللبنانيين على شراء الكمامات ابتدأ قبل ذلك بأكثر من أسبوعين وكان واضحاً أنّ الكميات تختفي من الأسواق، ولكنّ ذلك لم يدفع الحكومة للتحرك باتّجاه التجار ومستوردي الأدوية والتجهيزات الطبية، بمعنى آخر غابت خطة الطوارىء الشاملة وغابت الإدارة والحوكمة.

 

ألقت قدسيّة المدينة الإيرانية الموبؤة ورمزيتها بثقلهما على صانعي القرار اللبناني، فغابت القدرة على إعلان ترتيبات لحماية اللبنانيين من تداعيات الوباء الذي فاجأ أيضاً الجمهورية الإسلامية بانتشاره في عدد كبير من مدنها باعتراف الأجهزة الرسمية. غرق الوسط السياسي اللبناني كعادته أمام وهج طهران فحلّت صحة المواطن اللبناني ضيفة على التوازنات الإقليمية لتربك معها القرار الحكومي، وإلا فكيف يُفهم الطلب الى اللبنانيين التقليل من السفر الى البلدان الموبؤة، ماذا يعني ذلك إجرائياً؟ لا شيء. لقد امتلكت الدول الأكثر التصاقاً بإيران القدرة على مقاربة الموضوع بجرأة أكبر. ألم توقف سوريا التي يقاتل الحرس الثوري الإيراني الى جانب جنودها الرحلات الجوية من والى طهران؟ وكذلك فعلت عُمان التي تمرّ خلالها كل جولات التفاوض الإيرانية الأميركية والإيرانية الخليجية، وتركيا التي يبلغ حجم تبادلها السنوي مع إيران قيمة 30 مليار دولار وباكستان وكل الدول المحيطة بإيران، كذلك فعلت كلّ من العراق وجمهورية مصر العربية والكويت ودولة الإمارات العربية والمملكة العربية السعودية.

 

لقد تعاملت الدولة اللبنانية حتى الآن مع الوباء القادم من طهران بدبلوماسية الخوف والتردد المعهودة، وكأنّ صحة اللبنانيين ليست ملكاً لهم بل هي أحد مكوّنات ميزان القوى الإقليمي وهي بتصرف الصراع القائم وفي خدمة المعركة الكبرى. التعامل مع وباء «كورونا» يشبه تماماً التعامل مع القرار 1559 والقرار 1701، الضبابية عينها واللامسؤولية عينها وبما لا يرضي أحداً ولا يغضب أحداً، وهو يشبه كذلك الذهنيّة المعتمدة في التعامل مع الوضعيّن الإقتصادي والنقدي المنهارين، بحيث يقاد اللبنانيون الى المجهول دون أن يُسألوا، وهي الطريقة عينها التي استخدمت مع مقررات «سيدر» والإصلاحات الهيكلية المطلوبة والنأي بالنفس عن المحاور الإقليمية. وربما سيضيف الجراد في حال وصوله الى لبنان فصلاً جديداً من فصول اللامسؤولية في إدارة الشان العام.

 

ربما اقتضى الطابع الإقليمي للكورونا الوافدة الى لبنان مقاربتها بطريقة مختلفة، إذ ليس من السهل إعلان تقييدات صارمة على الإنتقال بين بيروت وطهران أو اتّخاذ إجراءات على المعابر البرية ذات الإستخدامات العسكرية والتجارية الخارجة عن سلطة الدولة، ولكنّ إعلان إحدى الدول الإقليمية أو الغربية أي نوع من التقييدات على هبوط الطائرات اللبنانية في مطاراتها قد يدخل لبنان المنهار في ما لا قدرة له على مواجهته. لقد قدّم فيروس كورونا قرينة جديدة على كيفية التعامل الحكومي مع الأزمات الوطنية ولكنّ مصدره الإقليمي أدخله بكفاءة على قواعد الإشتباك على محور بيروت طهران.

 

* مدير المنتدى الاقليمي للاستشارات والدراسات.