Site icon IMLebanon

كورونايات

 

 

يزداد ثقل كورونا ضغطاً على الناس كلما تقدّمت الأيام، وحلّت المناسبات ذات الطابع العام مثل أحد الشعانين أمس وعيد الفصح المبارك يوم الأحد المقبل وشهر رمضان المبارك بعد أسابيع.

 

وأبشع ما في هذا الفيروس الجائح، إضافة إلى ما يحمل من خطرٍ قاتل، موجات القلق التي يقذف بها، يومياً، بتصعيد بياني، وعلامات الإستفهام التي ترتسم تلقائياً جراء حيرة الناس أفراداً وجماعات ومؤسسات وحكومات ودوَلاً، الذين يقفون عاجزين غير قادرين على تحديد زمن إنحساره، فتتحرر الإرتباطات والمواعيد والمناسبات. طبعاً من دون تناسي الأضرار المادية الرهيبة بآلاف المليارات التي يتكبدها العالم أجمع في مختلف أقطاره.

 

وإذا تجاوزنا تلك كلها على أهميتها، تبرز المواعيد الإنسانية العادية في سائر نواحي الحياة: فمن يستطيع أن يحدد موعداً لزواج أو لمناسبة ما أياً كان نوعها؟

 

ويمكن القياس على ذلك في شتى الأمور. ناهيك بالقهر الذي يواجهه العاجزون عن أن يشاركوا في دفن موتاهم أكانوا سقطوا بضربة كورونا القاضية أو في أي موت تعددت أسبابه.

 

قال كعب بن زُهير في واحدة من عيون الشعر العربي:

 

«كل إبنِ أنثى وإن طالت سلامتهُ يوماً على آلةٍ حدباءَ محمولُ»

 

وهي حِكمةٌ بليغةٌ بأن الموت آتٍ على حد قول الشاعر أبو نصر عمر بن نبّاتة:

 

«ومن لم يمت بالسيف مات بغيرهِ

 

تعددت الأسبابُ والداءُ واحدُ»

 

والبعض يقول «والموت واحدُ». والمعنى واضح في بيتَي الشعر الأشهرين في ديوان الشعر العربي. إلا أن الفارق بينهما هو قول إبن زُهَير أن المصير هو نقل المتوفى «على آلةٍ حدباء» وهي إشارةٌ إلى النعش أو التابوت. والمشكلة مع كورونا أن الآلاف الذين يقضَون به لا يوجد مجرّد نعشٍ يُنقلون فيه أو عليه إلى حيث يوارون الثرى. بل إن الكثير منهم يُنقلون في أكياس النفايات من دون أي مراسم دينية أو مدنية وآخرون تُـحرقُ جثثهم، ليس كما جرى في الصين حيث حرق الجثث في ثقافتهم، إنما في بلدان عديدة لا تعرف هذه الثقافة ولا تعتمدها عموماً.

 

ولقد يكون ما يزيد في طين هذا الفيروس بلةً ويُضاعف ضغطه ما يطلع به علينا المنظرون عما ستكون الحال بعد كورونا، باستثناء قلةٍ منهم أبرزهم هنري كيسنجر هذا الرجل الذي بات عمره نحو قرنٍ كاملٍ وقد تحدث عن ما بعد كورونا ليس كما قبله في تحليل كبير الأهمية. أما عندنا فهناك رهطٌ من مدّعي العلم والمعرفة الذين يتغرغرون بكلامٍ حول هذه النقطة حتى لَيصحّ فيهم قول المرحوم كمال جنبلاط: «إن معظم المثقفين تَعوزهم روح المسؤولية وتنقصهم إرادة العمل وتستحوذ عليهم رغبة الكلام…» ليُضيف: «إن هذه الأرستقراطية الجديدة التي تبدو كسولة في كثرتها هي عبء على الأمة (…)».