ثمّة مهن حرّة لا يلتفت إلى أصحابها أحد ولا إلى تأمين لقمة عيشهم في عصر «الكورونا»، وثمة خدمات أساسية يحتاج إليها المواطن ولا يعرف كيف ومن أين يؤمّنها في ظل قرارات التعبئة. جمر العمال بدأ يشتعل، والاتحادات تبدأ اجتماعاتها من اليوم تحضيراً للنزول إلى الشارع
في 12 آذار الماضي، قطعت الحكومة الأوكسيجين عن اللبنانيين بشكل مفاجئ، وألزمتهم منازلهم للحدّ من انتشار فيروس «كورونا». يومها توقفت حياة غالبية العمال عن الدوران، باستثناء أصحاب متاجر المواد الغذائية والخضار والعاملين فيها. قد يكون قرار إعلان التعبئة العامة وإغلاق البلد صائباً ومطلوباً، إلا أنه لم يُستتبع، كما هو مطلوب أيضاً، بخطة إغاثة اقتصادية لمن فقدوا مصدر رزقهم بمكوثهم داخل منازلهم. على الأغلب أن أحداً في الحكومة لم يسأل، يومها، كيف يسدّد «البنشرجي» والميكانيكي والحلاق وعامل الباطون وأصحاب المتاجر الصغيرة إيجارات منازلهم وكيف يؤمّنون الغذاء لعائلاتهم ويدفعون فواتيرهم. ولم يناقش أحد السماح لهؤلاء بالعمل ضمن دوام محدّد وبمراقبة من البلديات لتأمين لقمة عيشهم. وفيما وجدت المصارف في إجراءات التعبئة ذريعة جديدة للإمعان في إذلال المودعين، أقفلت الوزارات والمؤسسات الرسمية أبوابها، وخصوصاً تلك التي على تماس مباشر مع حياة المواطنين. هكذا، وجد اللبنانيون أنفسهم «مقطوعين»، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى: ماذا لو تعطّلت سيارة أو ثُقب إطارها؟ كيف يمكن لمن ينتظر فاتورة من الضمان الاجتماعي أن يحصل على مال هو في أمسّ الحاجة إليه؟ ماذا لو فقد أحد ما بطاقة هاتفه الخلوي وأراد استبدالها؟ ماذا يفعل عسكري أُحيل على التقاعد وهو ينتظر من المصرف ورقة براءة ذمّة لكي يحصل على مستحقاته وتعويضه؟ هذه، وغيرها من مئات الحالات لا يملك أيّ من أصحاب القرار إجابة عليها، سوى أن «الدولة تفعل ما في وسعها لتسيير أمور المواطنين».
فهمي: سأبحث مع دياب السماح لبعض أصحاب المهن الحرة بالعمل
وزير الداخلية محمد فهمي أكّد لـ«الأخبار» أن «لا مانع من السماح لبعض أصحاب المهن الحرة كمحالّ تصليح الإطارات والسيارات بالعمل وسأناقش الموضوع مع رئيس الحكومة حسان دياب». الا أن بعض المهن الأخرى، «قد يتسبّب فتحها بازدحام في الشوارع الداخلية إذا فتحت أبوابها». في انتظار ذلك، تبقى دورة الحياة متوقّفة إلى أجل غير مسمى، فيما جمر العمال يقترب من الاشتعال مع دخول البطالة شهرها الثاني. رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين كاسترو عبدالله أكد لـ«الأخبار» أن «هناك خطوات ستتخذ من اليوم وصاعداً ومنها احتمال النزول إلى الشارع لأن الدولة لم تلتفت إلى ذوي الدخل المحدود كالسنغري والحلاق والبنشرجي والدهّان وغيرهم ممن تستحق عليهم بدلات إيجار وكهرباء وماء وطبابة ودواء. ويضحكون علينا بمسرحية جمع التبرعات التي لا نعرف إلى أين تذهب ولا تعلن محطات التلفزة عن ذلك بوضوح». ويوضح أنه تصل إلى الاتحاد شكاوى واستفسارات ومراجعات يومية عما يمكن فعله في ظل إقفال البلد، «هناك عمال لم يقبضوا رواتبهم رغم عملهم حتى منتصف الشهر الماضي وهناك آخرون يعملون باليومية. لذلك، نحضر لتحرك ينصف العامل الذي لم تنصفه دولته. وسنبدأ اجتماعاتنا مع مختلف الاتحادات والنقابات منذ اليوم تحضيراً لتحرك في حال لم تنفذ مطالبنا»، مشيراً إلى أن «أصحاب الأملاك يُرسلون إنذارات إلى المستأجرين القدامى بضرورة الإخلاء عن طريق الكتّاب العدل وليبان بوست ولا من يردعهم»، علماً أن وزير الشؤون الاجتماعية رمزي مشرفية كان قد أعلن أنه ممنوع على أيّ مالك طلب إخلاء أي شقة في هذا الظرف وأحال الموضوع إلى وزارة العدل («الأخبار» حاولت الاتصال بوزيرة العدل ماري كلود نجم، لكنها لم تجب على الاتصالات المتكرّرة). عبدالله شدّد على أن «الوضع لم يعد يحتمل لا بالنسبة إلى المياومين ولا المضمونين ولا المودعين ولا المستأجرين (…) باختصار عم يقولوا للناس اسرقوا أو موتوا من الجوع»!
حواط رفض الانترنت المجاني
منذ إعلان التعبئة العامة، أغلقت شركتا الاتصالات، «ألفا» و«تاتش» أبوابهما، وبات على من أضاع بطاقة هاتفه، مثلاً، أو من يحتاج إلى خدمة ما أن يجول البلد بحثاً عن أي فرع لهما لا يزال مفتوحاً. الحكومة أعادت الأسبوع الماضي تعديل قائمة المؤسسات والمحال المسموح لها بالعمل، ومن ضمنها محال بيع الهواتف وبطاقات التشريج، فحلّت جزءاً من المشكلة، رغم أن رئيس مجلس إدارة «ألفا» مروان حايك يؤكد أن «الخدمات الأساسية مؤمّنة والموزعين المعتمدين من الشركة يفتحون ضمن الدوام المحدّد». لكن لماذا لا تعمد شركة تضم نحو مليونَي مشترك، إلى فتح أبوابها بعدد قليل من الموظفين وضمن الشروط الصحية لتسيير أمور المواطن؟ يجيب حايك بأن الموظفين يعملون من منازلهم «وقد أمّنا كل الخدمات عبر الموزعين كما نقلنا الكول سنتر إلى منازل موظفينا الخائفين أيضاً على أنفسهم وعلى عائلاتهم».
وفيما عمدت غالبية الدول إلى تأمين انترنت مجاني لمواطنيها نتيجة التزامهم منازلهم اكتفت الحكومة اللبنانية بحزمة 500 ميغابيت مجانية تكاد لا تكفي ليومين. وهو ما يوافق عليه حايك، مؤكداً أن «شركة الاتصالات تنفذ قرارات الوزارة خلافاً لما يعتقده كثيرون». ويلفت إلى أنه اقترح على وزير الاتصالات طلال حواط «تقديم انترنت مجاني للجميع، فإيرادات الدولة من الانترنت الذي تقدمه شركتا الاتصالات وأوجيرو تصل إلى 100 مليون دولار، ويمكنها التخلي عن هذا المبلغ لشهر واحد مقابل تخفيف الأعباء عن اللبناني الذي يصرف اليوم ثلاثة أضعاف ما كان ينفقه بسبب جلوسه في المنزل واستخدام أولاده للانترنت للتعلّم عن بعد. إلا أن وزير الاتصالات لم يوافق على الاقتراح لأنه يخسّر الدولة الكثير كما لم يوافق أيضاً على إعطاء انترنت مجاني للطلاب فقط أو تقدمة 5 جيغابيت إضافية لهم».