Site icon IMLebanon

إلاّ في لبنان  

 

 

غيّر فيروس كورونا الكثير من العادات والتقاليد والممارسات وحتى الخطاب السياسي في مختلف البلدان، سيّان أكانت دولاً ديمقراطيّة أم ملكية أم توتاليتارية… والمُرتقب أن يكون العالم بعد هذه الجائحة غيره كليّاً عما كان وعما هو اليوم. وفي متابعة جديّة للخطاب السياسي، في غير بلد، يتبدّى أن رقعة الخلافات الداخلية قد تقلّصت لتنحصرَ، فقط، في التعامل مع الوباء. فالقضايا الخلافية على أنواعها، أرجئت إلى أمد غير محدود إلّا بزوال الخطر الصحي الداهم. وبات الموقف بين مَن يؤيّد تدابير هذه السلطة أو تلك في مواجهة كورونا، ومَن يتحفّظ عنها، أو من يعارضها.

 

أما عندنا في لبنان، فَـ»دقّ المي مي». فكأن لا كورونا ولا من يصابون بها. وكأن لا حجرَ إلزامياً ولا تعبئة عامّة، ولا حظراً للتجوّل في أوقات معيّنة. وكأن لا نقل لجلسة مجلس النواب من ساحة النجمة إلى قصر الأونيسكو. وكأن لا عدّاد يُسجّل السلبية والإيجابية في نتائج الفحوصات اليومية. وكأن لا توقّف طويلاً لمطار رفيق الحريري الدولي (…) إلى ما هنالك من تدابير في إطار المعركة مع الجائحة.

 

ومن يُتابع الخطاب السياسي اليومي عندنا يكتشف أن كورونا نزلَت إلى أدنى الإهتمامات… ولولا بيان وزارة الصحة اليومي وإجراءات تعقيم النواب والوزراء الذين توافدوا إلى الأونيسكو، لظننا أننا في عالم آخر.

 

فالخلافات ليست تراوح مكانها وحسب، بل هي تفاقمت. والأقوام الذين كانوا مختلفين على كلّ شيء إزدادوا خلافاً على الكبيرة والصغيرة، وخُذ محاولات إستدرار الشعبوية لدى الجميع، والكلّ ينصب كميناً للآخر على الكوع، والكلّ يريد تحطيم الآخر.

 

وكم هو منظرهم موحٍ وهم يتنفّسون عبر الكمامات، وعبرها ينفثون السموم بعضهم في حق البعض الآخر. فلا كلام من دون حقد، ولا تعليق من دون بغضاء، ولا تغريدة من دون خبث، ولا حتى حراك من دون أهداف مرسومة سلفاً إما للنكاية وإما للتمريك، وإما لتسجيل النقط وإما للتزريك.

 

ولقد حَفلت هذه المرحلة بتصعيد غير مسبوق، في وقت تستعدّ الثورة لإنطلاقة يُراهن كلّ طرف سياسي، أو يسعى، كي يستدرجها إلى جانبه. أما المعلومات المتوافرة عن النشاط غير المُعلَن للثوّار فتُبيّن أن أي إنطلاقة جديدة (عندما يزول المانع الصحي العام) لن تكون مراعية أيّ فريق من الأفرقاء، والعكس صحيح فهي ستطاولهم جميعاً هذه المرة.

 

في هذا الوقت يأخذ الدولار مداه اللامحدود، في تصاعد بيانيّ مُذهل، ما كان ليحلم به أيّ مُضارب جشع على الليرة، وما كان يخشاه من اعتاد أن يرى أكثر الكوابيس رُعباً.

 

ليتهم يتّقون الله في هذا الوطن الذي دفعوه إلى حافة الإحتضار.