في بلد العجائب والغرائب يصبح كل شيء وارداً إذ إن السياسات المعتمدة من قبل الحكّام أوصلت الشعب إلى درجة كبيرة من اليأس الذي يدفع إلى التمرّد.
“نموت من الجوع أحسنلنا ما نموت من الكورونا”، ربما هذه العبارة من أكثر العبارات التي رددها مَن خرق قرار التعبئة العامة منذ انطلاقتها خصوصاً في مناطق الشمال والبقاع، ففي كل دول العالم التي أعلنت الحجر المنزلي قدّمت الحكومات للمواطنين رزمة مساعدات إجتماعية، أما الحكومة اللبنانية فما زالت تتخبط في كيفية توزيع المساعدات.
وما يدعو أكثر للقلق واليأس ان الشعب الذي ثار في 17 تشرين الأول من العام الماضي كان يتأمل ببناء دولة واسترداد الأموال المنهوبة، فيما طموح بعض الأسر الفقيرة بات الحصول على كرتونة إعاشة او مساعدة تبلغ 400 ألف ليرة لا تلبي حاجاتها الأساسية.
ومع تأزم الوضع الإقتصادي أكثر والإرتفاع الجنوني في سعر صرف الدولار وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين إلى حدودها القصوى لم يعد هناك من حلّ إلا التحرّك في الشارع.
ويحذر القيمون على الوضع الصحي من أن تحركات الشارع والتجمعات وعدم اتخاذ التدابير الوقائية والحفاظ على المسافة الآمنة، قد تدفع مجدداً إلى تفشي “كورونا” بعدما استطاع لبنان ضبط هذا الفيروس، وما انتشار المرض في مخيم الجليل في بعلبك سوى دليل واضح على قدرته على الوصول إلى أي مكان.
وأمام كل ما يحصل، يوضع الجيش والقوى الأمنية في مواجهة جديدة مع الشعب، فمن جهة هم غير قادرين على قمع شعب يطالب بلقمة عيشه، ومن جهة أخرى ما زالوا مستمرين بتطبيق قرار التعبئة العامة ومنع التجمعات.
وتبدي الأجهزة الأمنية عدم ارتياحها إلى الوضع الحاصل خصوصاً أن التحركات في الشارع لم تعد تقتصر على جهة واحدة، بل إن أطرافاً عدة دخلت على خط هذه الموجة، وبالتالي فإن وقوع صدامات أمر قد يكون واقعياً، وما أحداث بعلبك وساحة الشهداء إلا خير دليل على أن النار لا تزال تحت الرماد.
وتشير الأجهزة إلى أنها منذ اليوم الأول تحاول احتواء الغضب الشعبي وعدم الدخول في مواجهة مع الناس لأن الأجهزة جزء من الشعب ودورها ليس قمع المواطنين، وهي كانت ترد على الإعتداءات فقط ولا تعتدي، لكن الخطير في هذه المرحلة هو حصول مواجهات بين المتظاهرين ومناصري أحزاب السلطة، عندها تتحوّل الأجهزة إلى قوة فصل، وهذا الامر يجب أن يعي الجميع خطورته لأن الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية لا تتحمّل مزيداً من التوتر في الشارع.
ولعل كلام قائد الجيش العماد جوزف عون عن استمرار الجيش بقيامه بمهامه حفاظاً على سلامة المواطنين وسط انتشار “كورونا”، يعكس الإتجاه الذي تسلكه الأجهزة في مواجهتها أي تجمعات من الممكن أن تشكّل خطراً يسبب بتفشي “كورونا”، لكن الجيش عازم على معالجة أي خلل من هذا القبيل بالحكمة وعدم استغلال الأمر للدخول في مواجهة مع الشعب، على رغم بعض الخروقات التي تحصل من حين إلى آخر. هذا الوضع الدقيق الذي تواجهه الأجهزة الامنية على الأرض بات ينذر بكارثة، خصوصاً إذا ما استغلّت بعض أحزاب السلطة “كورونا” لتضغط على الجيش والقوى الأمنية لضرب المتظاهرين، عندها لا تستطيع الأجهزة ترك التجمعات الشعبية لأنه في حال تفشت “كورونا” سيحملونها المسؤولية وهذا الأمر ستكون نتائجه وخيمة، ومن جهة ثانية فإن تعاملها بخشونة مع المتظاهرين سيرتدّ سلباً عليها.
لا شكّ أن الوضع مقبل على تطورات دراماتيكية، لكن الأساس يبقى حكمة المواطنين وعدم ذهاب الأجهزة بعيداً في تلبية رغبات سياسيين يستغلون كل شيء من أجل الحفاظ على كراسيهم.