من أهمّ ما تسفر عنه جائحة الكورونا الشاملة للعالم كلّه، جملةٌ من الصراعات مختلفة الأشكال والأنواع، نعرف منها صراعات سياسية واقتصادية، وانتهاكات لمباديء أخلاقية وإنسانية، وسيادة مبدأ، «يا ربي نفسي» لدى معظم الدول والأمم والشعوب، ومع الثبات والتسمر في استمرارية الوباء بأشكال وأحجام مختلفة وإلى ما شاء الله، ومع الأخذ بعين الإعتبار لجملة من التصاريح لجهات مسؤولة بأن قصتنا مع كورونا قد تطول، أقله حتى آخر هذا العام. كما يصرح الرئيس ترامب متجاوزا تنظيراته التفاؤلية التي يتحفنا بها ويطلقها من وقت لآخر دون أخذ بعين الإعتبار لشمولية الجائحة الكورونية في مجمل ولاياته الأميركية المختلفة، ومشدّدا على استمرار نظرته الإقتصادية التي يسعى بكل جهوده لتلوينها بطابع تفاؤلي علّها تجديه في سعيه إلى كسب الإنتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، وها هو اليوم في صراع حاد مع دولة الصين، موجها لها سلسلة من التهم التي تؤكد على مسؤوليتها الثابتة في إطلاق وباء الكورونا من منشئه في مختبراتها، وبالتالي مسؤوليتها الفادحة التي ستبرز للوجود بإطارها المادي ويتوجب تعويض العالم بأسره لما سببته له من ويلات وخسائر. وهنا أيضا تكمن الخلفيات الإنتخابية لهذا التصرف الإنتخابي الواضح والصريح.
ومع الأخذ الشديد بعين الإعتبار بالنظرية العامة المستجدة، بأن العالم بعد انتهاء جائحة الكورونا لن يكون إطلاقا كما هو قبلها، بل سيكون عالما حافلا بالإنهيارات والتحديات الإقتصادية والمصائب الحياتية التي تصل إلى صلب مواقع الجوع والمعاناة بشتى أشكالها وألوانها وأحجامها، مع التنبيه الشديد إلى كل السلبيات الهائلة المنوّه عنها أعلاه، تلفت الأنظار، تلك الجهود الهائلة المبذولة في كل دولة على حدٍّ معقول من التطور العلمي، بحثا عن إيجاد وسائل طبية لمعالجة هذا الوباء اللعين بشتى طرق المعالجة الوقائية والعلاجية، وصولا إلى مكافحة الأخطار الهائلة التي تهدد حياة البشر نتيجة للوباء الشامل بأخطاره وآثاره للعالم كله، بدءا بدوله المتقدمة والمتفوقة علميا وتكنولوجيا وطبيا. الجديد في كل ذلك، تلك المنافسة القائمة حاليا بين كبريات الدول والمراجع الطبية في سعي دؤوب لتبوؤ موقع متقدم في موضوع مكافحة وباء الكورونا وإيجاد حلّ له في أسرع وقت ممكن، كثير من الدول والجهات أعلنت بالفعل عن خطوات علاجية متقدمة تنبيء تجاربها الأوّلية عن نتائج إيجابية من شأنها لو استكملت تجاربها على «الإنسان»، أن تشكل قفزة كبرى ستُسعد العالم كله وتحميه من أخطر الأضرار التي تطاوله في هذه المرحلة الحرجة من القرن الحادي والعشرين من خلال ذلك البعبع الحديث المسمى كورونا.
هناك استقتال على التنافس ما بين الدول لتبوؤ الموقع الأسبق في دنيا الوصول إلى دواء لعلاج هذا الوباء المستفرس على الجميع، ويحمل هذا التنافس وجهتين أساسيتين، الأولى متمثلة بغاية معنوية تستحصل عليها الجهة السبّاقة إلى اكتشاف ذلك العلاج، فالدولة التي ستنتج عقارا فعالا يضع حدّا لجزع الناس من الكورونا بأخطاره المختلفة وصولا به إلى درجة الخطر على الحياة وبالتالي الموت، هي دول ستحظى بشتى أنواع التبجيل والتعظيم والمواقع المعنوية المتفوقة والمشكورة في كل الأحوال، ولن يقتصر الأمر عند الحدود المعنوية المذكورة، فالصراع الدائر عليها في هذه الأيام، خاصة ما بين الدول الكبرى، يسعى إلى غاية مالية واقتصادية، حيث لا يخفى على أحد أن من يسبق في صناعة العقاقير الرادعة لوباء الكورونا، سيلقى «طحشة» من كل الدول والشعوب لشراء ملايين العقاقير الشافية، وسيجني من عملية البيع المليونية هذه، ثروات تقدر بالمليارات سريعة التحصيل وفورية الدفع، مع الأخذ بعين الإعتبار مطالبة دولة كفرنسا بالاّ تكون هذه العقاقير خاضعة للحسابات الربحية، وهو طرح مثالي وغير واقعي، ويرجح ألاّ يكون هو الوضع المعتمد.
لقد بدأنا نلاحظ منذ الآن، شتى أنواع المنافسة في هذا الصعيد الإيجابي، باتت وسائل التجارة الكلاسيكية تمارس فيها، وعلى سبيل المثال بدأنا نسمع بعمليات تجسس الكتروني على الجهود القائمة حاليا لدى أكثر من دولة، وأعلنت الولايات المتحدة أنها وضعت يدها على أكثر من محاولة لسرقة الأسرار والدراسات المخفية المستجدة لديها في مختبراتها وشركاتها المتخصصة في هذا المجال وقد وجهت هي وبعض الدول الأخرى، إتهامات واضحة بهذا الخصوص، لكل من روسيا وإيران، تذهب إلى إلقاء الضوء على الكثير من تلك المحاولات التي يرجح أنها قد فشلت حتى الآن.
وفي هذا الإطار نتساءل: أين نحن في عالمنا العربي من هذا العالم التقني والعلمي المتطور، هل لدينا بعض من المعالم والدلائل والنتائج الأكيدة بهذا الخصوص؟ بعض من أخبار الإمارات العربية وصلت إلى حدّ ما ذكرته أنه نتائج ناجحة وأكيدة كاختراع ضد وباء الكورونا سجل رسميا في وزارة الإقتصاد في إمارة أبو ظبي، خبر مهما كانت نسبته من النجاح يصب في إطار الإيجابيات المفرحة والمنفتحة بآمالها في إطارات المستقبل العلمي العربي الناجح.
وإلى كورونا المستفرس نقول: وراك وراك، مهما تكثفت الجهود وطال الزمن.