مخيفُ التهوّر اللبناني، وهو مظهرٌ من مظاهرنا العامّة كشعب، وجد اللبنانيّون أنفسهم في حالة ذهول حقيقي ليس بسبب التهوّر والاستهتار، بل أمام مشهد الطابور الطويل أمام متجر ملابس، الأمر أحدث حالة ذهول من شعبٍ رفع عنه حظر الوباء فهرع لشراء الملابس ضارباً عرض الحائط بكلّ سبل الوقاية من احتماليّة العدوى في محيط غريب!
لكن ما لم يكن متوقّعاً هو التهوّر في مواجهة وباء لا يزال على درجة عالية من الغموض، ولا يزال أيضاً عصيّاً على إيجاد لقاح له، إلّا أنّ التهوّر اللبناني بلغ خلال اليوميْن الماضيين حداً غير مسبوق ولا مبرّر له، ففي الوقت الذي ينوح فيه اللبنانيّون على واقعهم الاقتصادي ويدبّجون النظريّات حول الفقر الذي بلغت خطوطه انحداراً مخيفاً بنسب غير مسبوقة تجتاح العائلات…
تتسابق دول العالم للإيحاء بأنّها وجدت الحلّ الطبيّ وأنّها تلقّت حجوزات التصدير، كانت أرقام إصابات الموجة الثانية تتصاعد بشكل مخيف، فيما الدول التي بدأت الدخول في إجراءات رفع الحظر تدخلها وجلة، جديّاً يتوجّب علينا التوصّل إلى خلاصة وسائل التكيّف مع وباء كورونا حتى يأتينا الفرج بانكشافه عن العالم.
العالم أمام الموجة الثانية من كورونا، ولا أحد يدري حتى الآن كم موجة ستلحق بأختها، الواقع أنّ حكومتنا في لبنان تحتاج إلى العودة خطوات إلى الوراء، وأول درجات الأمان تستدعي باختصار صرف النظر عن عناد عودة المدراس والامتحانات الرسمية، الإصابات عادت للظهور في وهان الصينية من حيث بدأ الوباء، الواقع يأتي من الصين، مدير قسم الأمراض المعدية في شنغهاي توقّع أنّ الحسابات الرياضيّة تشير إلى أنّ البشرية لن تهزم الفيروس بحلول الصيف. الموجة الثانية قادمة، العالم كلّه سيبقى مقفلاً علينا، وفي هذا الوقت لا أحد يعرف ما سيؤول إليه وضع الاقتصاد على الأقل في لبنان الذي يعيش مخاوف حقيقيّة من الانهيار في ظل سياسة كونيّة تتواطأ على نفسها تحت عنوان “الهروب إلى الأمام”!
في كانون الأول الماضي، تجاهلت منظمة الصحة العالمية رسالة تحذر من كورونا في كانون الأول الماضي، اليوم باتت تعلن أنّنا “لم نصل إلى ذروة تفشي كورونا وكأنّ لا أحد يريد سماع الحقيقة، لا أحد يريد أن يواجه أنّنا علينا أن نتصرّف بواقعية وأن نأخذ بعين الاعتبار أنّنا في قلب مجهولٍ يفترسنا ولا نملك إلا الاحتياط والانتظار والوقاية،
التشاؤم والتفاؤل لا مكان له في التعاطي به أسلوباً لمواجهة الوباء، ولكن التهوّر والاستخفاف، والاتكال على استهتار مواطن عائد من سفر بدلاً من التزام الحجر المنزلي ذهب ونقل المرض إلى سواه، وسواه نقله إلى سواه، مع ملاحظة أنّ نسب المصابين تزداد يومياً، ونحن لم نصل بعد إلى ذروة الوباء!
المطلوب عودة وزارة الصحة بالتعاون مع الوزارات المعنيّة إلى استدراك مسافة الأمان في الطائرات، لا أن نسمع جملاً من نوع “اللي مش عاجبو ينزل”، والعودة إلى فرض حجر صحي على الرّكاب القادمين من ضمن المرحلة الثالثة من عودة اللبنانيين إلى لبنان من كلّ بلاد العالم، المطلوب العودة إلى التشدّد في إجراءات الوقاية وتنفيذ التعبئة العامّة وشروطها بدقّة، تجنّباً للأسوأ!