IMLebanon

هل انتهى زمن «الرفاه اللبناني» إلى غير رجعة؟!

 

من صرخة الوزير إلى مخاطر الصندوق

 

سواء، ذهب مجلس الدفاع الأعلى، وبعده مجلس الوزراء إلى فرض حالة طوارئ لمدة 48 ساعة، بناء لتفكير، ثم اقتراح وزير الصحة العامة، الوزير النشط حمد حسن، أم تريث، أم عدل، فإن جائحة Covid-19, أو Coronavirus، أو الفايروس القاتل، ساهمت، أو تسببت بإعادة طرح مسألة تشكيل العالم من جديد، ولا حاجة للإمعان في مستويات التشكيل قيد البحث، فإنها شاملة وكلية، من الطيران، إلى السياحة، فالمال، والإنتاج، وفي بعد أخطر في المسائل الروحية والاخلاقية، من تدبير الحياة، إلى نظام الحياة، والسلوكية الأخلاقية، التي سمحت بنقل «Homo Spanies» (الإنسان العاقل) من رتبة الحيوانية إلى مرتبة الإنسانية.

 

وعليه، لفت انتباهي في بحر الأسبوع المنصرم، دولياً، تحديد الجائحة بوصلتها باتجاه الشرق الروسي، ثم غزو البيت الأبيض، حيث ترتسم في مخيلة الرئيس دونالد ترامب، المصاب بالأرق أو «الإيزونوفيا» صورة معاناة جونسون، صديقه رئيس وزراء بريطانيا، التي كانت عظمى، في يوم ما، وهو يشاهد ملاك الموت، في يقظته، داخل محجره الصحي، قبل أن يشفى منه، معلناً فرحته بمولود، ينتمي إلى عائلته، من صديقته البريطانية، التي تصغره سناً.

 

وفي الموازاة الروحية، صرخة مدوّية للأمين العام للأمم المتحدة غريتش، يتحدث فيها عن الوحشية لدى البشر، التي كشفت عنها «الكورونا»، وكأن انتسابه إلى الحضارة الغربية أفقد ذاكرته أن وحشية الإنسان، ليست جديدة، وأن تاريخ الحروب، والاستعمارات، والهيمنات، وحتى العقوبات، على الدول المحتاجة أو الفقيرة، أو الكيانات الوطنية لا يقلّ عن «الكورونا» همجية.. انها أفعال البشر.. (راجعوا كتب الله وآياته عبر رسله).

 

على أن المخاوف من موجة عاتية، ثانية، من موجات ما يمكن وصفه «بالحرب البيوكيمائية» كبديل، للحروب العسكرية التقليدية، لم تحجب توقفي عند أمرين، بسيطين، ولكنهما لا يبدوان كذلك.. في زمن ترقب وصول وفد صندوق النقد الدولي إلى بيروت، لإعادة تقويم خطة الحكومة، والبحث في التمويل، قبل أي اعتبار آخر..

 

1 – الأمر الأول: ما كتبته «رويترز» عن معركة الحياة والموت التي تخوضها جامعة عريقة في لبنان (يقصد بها الجامعة الأميركية في بيروت): تواجه واحدة من أعرق الجامعات في العالم العربي أسوأ أزمة في تاريخها منذ أن ظهرت إلى الوجود (1866) بخسائر مادية فادحة، وخفض العمالة والموظفين، ومعركة شاقة تخوضها للبقاء على قدميها، رغم تراجع الإيرادات بفعل ضربات الانهيار الاقتصادي في لبنان وفايروس كورونا المستجد..

 

في الخبر أن الأميركية هي واحدة من أفضل 200 جامعة في العالم، وفي حالة انهيارها ستفقد الأجيال القادمة في لبنان، والمنطقة، هذا التعليم العالي المعترف به دولياً..

 

من معالم العواصم (المدن الكبرى) سواء أكانت بلدية (تقتصر على سكانها) أم كوزبوليتانية (مزيج من أجناس وقوميات وهويات دينية وعرقية ولونية متعددة).. الجامعات، المستشفيات، ذات الامتداد الدولي.. فبقاؤها أو نموها مؤشر تنمية ونمو ونهوض.. أو الخروج من دنيا الحضارة.. هل تمعن الأزمات بموت العاصمة العظيمة (بيروت) بموت جامعاتها، ومفاهيمها، وشعرائها.. فشلت الحرب في ذبح المدنية التي عشقها الشعراء (من ادونيس إلى نزار وقبلهما وبعدهما الكثيرين، وكتبها عنها الرحالة والجغرافيون، ورجال القانون)..

 

2 – الأمر الثاني: بيان صادر عن مديرية قوى الأمن الداخلي، وفيه: اقدم مجهول بتاريخ 25/4/2020 على تفجير عبوة ناسفة بوزن حوالى 400غ من مواد متفجرة، استهدف أحد المصارف في مدينة صيدا- شارع المصارف.. ليس المهم باقي تفاصيل الخبر، ما خلا ما ختمت به البيان بأنها «لا تساوم في مسألة المحافظة على الأمن وتطبيق القوانين، وستقوم في حماية الأملاك العامة والخاصة، وتحذر من التورط أو القيام بأعمال الفوضى، وستتصدى لمنع حصول أعمال التخريب.

 

وبالاشارة إلى المجهول، اكتفت المديرية بذكر «الحرفين الأوّلين، من اسمي الموقوفين.. لكن ناشطة سياسية من الحركيين، الحضاريين، الذين لا يؤمنون بالعنف، تحدثت في تغريدة لها، قبل التوقيف أو بعدها عن «رفيقين»، وطالبت بحملة تضامن معهما، مشيرة إلى انهما من الذين قاتلوا ضد الاحتلال الإسرائيلي ضمن «جبهة المقاومة الوطنية»..

 

بصرف النظر عن إجراءات القضاء، أو ما رافق من عقب «التفجير والتوقيف»، فإن أسئلة تطرح؟ (مع العلم انني لا أؤيد أي عمل غير مشروع يهز الانتظام العام، سواء أكان عنفياً أم سلمياً)..

 

من الأسئلة، قبل «التفجير والتوقيف» ماذا حدث؟ هل كانت الدنيا بألف خير؟ أم ان المصارف ابتلعت أموال الموعدين، ونغصت علهم يومهم وليلهم، وأدخلتهم في أرق وعرق وقلق، كما ادخلت النّاس اجمعين، محامين وعسكريين، وقضاة وأطباء، وحتى مصرفيين، وصولاً إلى مسؤولين سابقين أو حاليين (هل استمعتم إلى صرخة الرئيس الأسبق للجمهورية اميل لحود عبر شاشة الميادين؟).

 

تطبيق القوانين: جيّد، ولكن مَنْ يطبق القوانين على المصارف؟ قرأت في القرآن الكريم (لمناسبة ليالي رمضان المباركة) أن الظلم وضع الوقائع في غير محلّها.. أوقفوا الظلم.. وإقرأوا ما قاله الخليفة الرابع الامام علي بن أبي طالب: عجبت كيف لجائع ألا يخرج شاهراً سيفه؟ وفي الامثال الشعبية (المال يعادل الروح).. «ومن أخذ مالك خذ روحه».. مرّة جديدة، لست من أنصار أخذ الحق كل على طريقته.. نعم الحل بسريان القانون، والانتظام العام ليس انتظاماً بلا قانون.. ولكن علام يقرأ مزاميره داود؟

 

لا أمن بلا عدل.. ولا عدل بلا قانون.. أمَّا اجتزاء الوقائع فهو شكل آخر من أشكال الظلم.. ولا استقرار ولا أمن ولا انتظام مع المظالم..

 

.. وبالانتظار.. أهلاً بوفد صندوق النقد الدولي في بيروت، في بحر الأسبوع، الذي يسبق عيد الفطر السعيد، وفي أيام كورونا الثقيلة، وعذابات الإنهيارات المالية، والنقدية، والاقتصادية، والاجتماعية، إلى آخر انهيار يطال حائطاً في قرية نائية، من جرّاء عاصفة عاتية..

 

دع عنك، مضامين خطة «التعافي المالي والاقتصادي». التي قدمتها حكومة الرئيس حسان دياب، وباركها اجتماع سياسي، بقي ناقصاً وقاصراً في القصر الجمهوري الأربعاء الماضي، لتكون المدخل إلى مفاوضات حملة السندات أو لطلب المساعدة الاستشارية، الفنية، من صندوق النقد، ثم المالية.

 

دع عنك، أيضاً، التذاكي اللبناني، الذي رغم مزاعم الشفافية، ووضع الحقائق كما هي، والطمورية، على طريقة «النرجسيين» الاقحاح، الذين ما دنسهم لحن، أو زلة قدم، أو لسان، أو زلة ما هو محرم، وغير حلال، من مال، أو جاه، أو ما شاكل.. فإن لصندوق النقد اجندته الخاصة، وطرائقه في التعامل مع الدول، التي تعاني من عجز في ميزانيتها، أو كساد في اقتصادها، أو تحتاج إلى إعادة جدولة، أو هيكلة لديونها، وقطاعاتها المالية، أو الخدماتية، أو حتى المصرفية..

 

من المفترض أن مراحل ثلاث، تقتضيها المفاوضات:

 

1 – الاطلاع على الخطة، والنقاش حولها، واستطلاع رؤية الحكومة اللبنانية، لآليات التطبيق، وتوزع الأدوار، من الدولة، إلى الموازنة، إلى المصارف، وحاكم المصرف المركزي الخ..

 

2 – التفاوض على حدود المساعدات المالية، حجمها، برنامجها الزمني والتنفيذي، وكيفية السداد (لا ننسى أن لبنان امتنع عن سداد استحقاقات سابقة لحاملي سندات اليوروبوندز)..

 

3 – الضمانات المالية، ودور الدول صاحبة التأثير، داخل قرارات صندوق النقد، من الولايات المتحدة الأميركية، إلى بريطانيا وفرنسا، ودول عربية وآسيوية..

 

في المسار التفاوضي هذا، ليست الأمور ميسرة تماماً، بصرف النظر عن آراء مشجعة من هنا، أو توهمات عن إيجابيات من هناك..

 

فعلى الطاولة، قبل الخطة، وبعدها، وبمعزل عن كورونا، لكن مع الأخذ، في نظر الاعتبار، ما كشفته انتفاضة 17ت1 2019، من انهيارات، وفساد، وسرقات، وتهريب أموال، ثلاث نقاط، مخاطر بالنسبة إلى لبنان، تعد مطالب أو شروطاً لصندوق النقد:

 

1 – مسألة الذهب ومصيره، وربط الاقتراض به، أو تحديد قيمة المبالغ الدائنة، بقيمة الذهب لدى مصرف لبنان.. وعلى الرغم من وجود قانون يمنع التصرّف بالذهب أو تسييله، فإن مخاطر التعرّض لذهب لبنان، ما تزال قائمة..

 

2 – سعر صرف الدولار: منذ ما بعد انتفاضة 17 ت1، وما تمخضت عنه، تفلت سعر صرف الدولار، من الضبط، وذهب باتجاه سعر رسمي، يحدده مصرف لبنان، وأسعار في السوق السوداء، ولدى شركات التحويل، فضلا عن المصارف، والصرافين الشرعيين وغير الشرعيين، الملاحقين، أو الموقوفين، أو الفارين من وجه العدالة، فضلاً عن المضاربات المالية والمحلية، أو الخارجية، لمصلحة التجار أو الأسعار، أو السلع الضرورية..

 

من المؤكد أن الصندوق، ستكون له كلمة، على هذا الصعيد، على الرغم من المخاطر التي ضربت دخل المواطنين، وفاقمت من أزمة البطالة، مع إغلاق شركات ومؤسسات كبرى ومطاعم أبوابها بصورة نهائية..

 

الثابت، أن مرحلة تثبيت سعر صرف الدولار، صارت من الماضي.. وبالتالي، فإن حقبة الرفاه اللبناني، ولو بالمديونية العالية، قد ذهبت إلى غير رجعة..

 

3 – إعادة هيكلية القطاع العام، الذي يُعاني أصلاً من هريان، تسببت له الطبقة السياسية المكارثية، والهشة، والضحلة على مستوى الانتماء الوطني، عندما أحلت الولاءات الحزبية والشخصية مكان الكفاءة والاختصاص والجدارة، التي ينص عليها الدستور. بتهميش مجلس الخدمة المدنية، وتخريب مؤسسات الرقابة المالية والقضائية والوظيفية والإدارية..

 

رفع الدعم عن الكهرباء أو الطحين، أو حتى الدواء، وإعادة النظر بالـTVA، أو سعر صفيحة البنزين، جميعها إجراءات، قد تكون ضرورية ومطلوبة.

 

من الثابت، أنه لم يكن لدى لبنان مناصٌ من التوجه إلى طلب المساعدة المالية- لا الفنية- من صندوق النقد، مقحماً نفسه، في أتون تجربة، قد تكون مريرة، في وقت يمر فيه الاقتصاد العالمي بواحدة، من أصعب حقبائه، سواء لجهة الكساد، أو البطالة، أو انهيار أسعار النفط..

 

يدخل لبنان إلى الحلبة المالية الدولية، في ظل ليونة أميركية، وحماسة فرنسية، لطلب سيولة لا تقل عن 10 مليارات دولار، ضمن خطة خمسية.. غير آبه بالمخاطر.. لكن هناك عثرات، لا تقل خطورة عن النهب الداخلي وكورونا، بعيداً عن الحماس والشفافية..