مع كل الفلتان القائم على أكثر من صعيد سياسي واجتماعي وطائفي ومذهبي، ومع امتداده على مجمل الأراضي والمناطق والفئات والجهات اللبنانية، ومع وجود تطور «إعلامي» متهور لما تطلقه في هذه الأيام، وسائل التواصل الإجتماعي، من أفكار وأخبار شديدة الغرابة بحيث أصبحت الأحكام العامة والخاصة، عشوائية النشأة سهلة الانتشار لا حسيب عليها ولا رقيب، إلاّ في حالات نادرة سريعا ما نجد أن خلفها تيارا سياسيا معينا أو زعيما أو وزيرا أو نائبا أو مواطنا متهورا لا قيود له ولا حدود، وقد لمسنا هذا التفلت وهذا التعنت من خلال قضية طارئة ما كان يتوجب لها إلاّ التأييد الشامل والإجماع الوطني والشعبي، ألا وهي، قضية وباء الكورونا الذي انتشر في أصقاع الدنيا، انطلاقا من الصين الشاسعة بأراضيها ومواطنيها، وتعتبر في أكثر من بلد وموقع في المحيط الصيني وفي مجمل قارات الأرض التي وطأت وسائل الإحتكاك والاختلاط البشري إليها، ومنها الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبية، في طليعتها إيطاليا وفرنسا، ومنها دول عربية وآسيوية على تواصل بمواطنيها مع مواطنينا في لبنان.
وكان طبيعيا أن يكتشف المسؤولون اللبنانيون، بعضا من الحالات المشبوهة ومنها حالة «كورونا» ثابتة وبعض الحالات الإحتمالية التي دفعت بالمسؤولين إلى بعض الإجراءات الوقائية التي لا تقاس بشدتها وشموليتها بأية إجراءات تم اتخاذها في المحيط العربي كالعراق والكويت وجميع دول الخليج، ورغم الحذر اللبناني المسؤول واقتصاره على الحد الأدنى المعقول والمقبول من الإجراءات الوقائية، اذا بنا نفاجأ وسط مخاوف اللبنانيين على سلامة أوضاعهم الصحية وهلعهم من هذا المرض الخطير الذي ترشحه منظمة الصحة العالمية لإمكانية أن يكون وباء العصر المنتشر عالميا دون أية ضوابط أو حدود، والمفاجأة كانت بصدور بعض الاصوات الإحتجاجية اللبنانية الناتئة والخارجة عن الإجماع العام، تتهم الدولة والحكومة بأن الحملة الوقائية القائمة هي حملة إنتقائية وتستهدف في طليعة ما تستهدف إيران، واجراءاتها الوقائية المتواضعة والمنقوصة التي سمحت بانتشار «الكورونا» على مساحات مهمة من أراضيها، بحيث أجمعت الآراء على أنها المصدر رقم 2 لهذا الإنتشار الوبائي، كما تفتقت استنتاجات بعض وسائل التواصل الاجتماعي لدينا عن نفس النتيجة: إيران مقصودة، وإيران مستهدفة.!
صحيح أن إيران مستهدفة باعتبارها أخرجت لبنان سياسيا عن حياديته وألحقته بفريقها المتآلف على علاقته المميزة بإيران وطموحاته فارسية الطابع، ومذهبية الظاهر، صحيح أن هناك اتهامات شاسعة وواسعة في لبنان وفي خارجه ترتكز على قرارات سابقة ولاحقة لحزب الله بأنه حزب مرتبط ارتباطا وجوديا بإيران، فمنها يتلقى أكله وشربه وسلاحه ورواتب مقاتليه فضلا عن اتهامات عديدة مرهونة ومعروفة قسمت بلادنا إلى مقسمين اثنين، كلا منهما يغني على ليلاه ويتوجه بنفسه إلى اتجاهه وعلاقته المحددة والمميزة، ولكن، نتجاوز ذلك كله ونحصر دهشتنا الشديدة بما سمعناه وقرأناه من ملاحظات، تتناول كارثة الكورونا والأخطار التي تهدد العالم بأسره من خلال توقعاتها واحتمالاتها المخيفة، وكيف أن هناك من اللبنانيين من يجعل منها ملحقا من ملحقات الخلافات اللبنانية السياسية والاجتماعية لمجرد أن السلطة اللبنانية، بحكومتها الجديدة وحيدة الانتماء والاتجاه، تتجرأ على النطق بأن بوادر «الكورونا» قد أطلت علينا برأسها المخيف من خلال قادمين لبنانيين من «قم»، أحد مراكز انتشار الوباء، وتستكثر على اللبنانيين، اتخاذ الإجراءات الوقائية الضرورية، حماية للعائدين من قم أنفسهم، ولمجمل الشعب اللبناني بكافة انتماءاته ومناطقه، والغارق في تحسباته التي قد تتناول حياته وحياة أولاده بالخطر العميم.
وبعد: كفانا حساسيات تتجاوز الواقع الموضوعي وتصب في اطارات لا تخدم الواقع اللبناني وسلامة أبنائه جميعا، وفي طليعتهم، أولئك المتحمسين للدفاع عن إيران في إطار خاطئ وبعيد عن الموضوعية وعن سلامة استقراء الأحداث العادية التي تتناول المواطنين جميعا دون تمييز. نشتاق جميعا لأن نجد آثارا إيجابية له في شتى مواقع الحياة اللبنانية. نشدّ على أيادي الدولة في خطاها على هذا السبيل، وندعوها إلى أن تكون قولا وفعلا لبنانية الإنتماء، إنسانية التوجه، فبلاء الكورونا لا يحتمل أي ذرة من تعصب وتمذهب تزيد من آلامنا وتصعّب علينا جميعا ظروف العيش الهادئ والحياة الكريمة.