Site icon IMLebanon

الموجة الثانية من «كورونا» بدأت: هناك داعٍ للهلع

 

 

في أكبر حصيلة للإصابات منذ تسجيل أولى الإصابات بفيروس كورونا في 21 شباط الماضي، سُجّلت في لبنان أمس 166 إصابة دفعة واحدة. وتجاوز عدد الإصابات، خلال أربعة أيام فقط، نصف أعداد المُصابين الفعليين، كما سُجّل دخول الفيروس الى تجمعات ومناطق مكتظة، ما يثير الخشية من أن الموجة الثانية باتت واقعاً فعلياً قبل الموعد الذي كان متوقعاً لقدومها. يأتي ذلك في أكثر الأوقات سوءاً، مع تفاقم الأزمة الاقتصادية وتداعي القطاع الصحي، ما يهدد بالأسوأ ما لم يُعد التشدد في إجراءات التعبئة لتدارك الواقع الخطر

 

خلافاً لكثير من البلدان التي كانت تتوقّع أن تتعرّض لموجة ثانية من فيروس كورونا مطلع أيلول المُقبل، كان لبنان ينتظر «موجته» أواخر تشرين الأول. هذه التوقعات استندت إلى معدل الإصابات الذي عكس واقعاً وبائياً «مرتاحاً» مقارنةً مع بقية الدول. يوم أمس، سجّل في لبنان أكبر عدد من الإصابات منذ تسجيل الإصابة الأولى في 21 شباط الماضي. 166 إصابة دفعة واحدة رفعت الإجمالي إلى 2334 إصابة. فهل بدأت الموجة الثانية من الفيروس مبكّرة؟

 

قد لا يصحّ اعتماد هذا التوصيف لأنه يُعدّ تبرئة للجهات المسؤولة عن استعجال قدوم الموجة الثانية بهذا الشكل الخطير وفي هذا التوقيت الحرج. وهذه الجهات تشمل كل المعنيين في الحكومة ومن هم في مراكز القرار، إضافة إلى المُقيمين والوافدين على حد سواء.

فخلال أربعة أيام فقط، سُجّلت منذ الخميس الماضي 389 إصابة جديدة، أي أكثر من نصف عدد الإصابات الفعلية كما كانت عليه يوم الجمعة الفائت، والتي كانت حصيلة مسار وبائي عمره نحو أربعة أشهر (كان عدد المصابين الفعليين وقتها 644).

الارتفاع المفاجئ والسريع ليس المؤشر الوحيد الذي يبعث على القلق، إذ إن عوامل أخرى تعزّز مكامن الخوف من الانزلاق نحو مرحلة الانتشار المجتمعي التي كانت البلاد تحاول تفاديها منذ أشهر، وذلك مع «تسلل» الفيروس إلى مناطق مختلفة وأحياء مكتظة (كحي السلم مثلاً) ومخيمات فلسطينية (ثلاث حالات في الرشيدية – صور)، حيث تصعب السيطرة على العدوى في ظل الظروف الصعبة التي تحيط بهذا النوع من التجمعات. وما إصابة أكثر من مئة عامل في شركة «رامكو» للتنظيفات، يقطنون في السكن التابع للشركة، إلا دليل على صعوبة ضبط العدوى بين من يعيشون في ظروف مماثلة، حيث الاكتظاظ يحول دون إمكانية التباعد والوقاية.

وزاد الأمور سوءاً أن الفيروس أصاب، خلال يومين فقط، 25 ممرضاً وممرضة، يضافون إلى 45 آخرين ليرتفع إجمالي المُصابين في الطاقم التمريضي إلى نحو 70 شخصاً، «وهو أمر في غاية الخطورة»، وفق رئيسة نقابة الممرضين والممرضات ميرنا ضومط التي دعت الى إعادة الالتزام بإجراءات الوقاية لأن المؤشرات «خطيرة».

يترافق ذلك مع رفض المُستشفيات الخاصة استقبال الحالات غير الطارئة بسبب تفاقم الوضع الاقتصادي والنقدي «حيث وضع القطاع الصحي إلى مزيد من التدهور»، بحسب ما قالت رئيسة نقابة مستوردي المُستلزمات الطبية سلمى عاصي لـ«الأخبار»، لافتةً إلى أنّ شركات كثيرة توقفت عن استيراد معدات طبية أساسية، فضلاً عن تعطل الكثير من الآلات وعدم القدرة على إصلاحها بسبب تجميد عمليات تحويل الأموال. ويأتي هذا كله في وقت لم تجهز فيه مراكز الحجر والعزل المنزلي المطلوبة، والتي كان يجب التحضير لها خلال الفترة الماضية، وإن كان عدد من المُستشفيات الحكومية قد جُهّز فعلاً لاستقبال المصابين، كما قال وزير الصحة حمد حسن قبل يومين.

 

الفيروس «يضرب» الطاقم التمريضي و«يتسلّل» إلى التجمّعات المكتظّة

 

 

هذا السرد لا يهدف إلى التهويل، وإنما الى فتح نقاش في مقابل أي خطاب «تطميني» تتبناه وزارة الصحة، والحكومة من خلفها، (وإن كانت الوزارة تملك معطيات قد تكون مدعاة للاطمئنان)، كما أنه ضروري لوضع المُقيمين عموماً والمُغتربين خصوصاً أمام مسؤولياتهم.

فعلى سبيل المثال، ثمة وافد يقطن في حي السلم، لم ينتظر نتيجة فحوصاته المخبرية، وسارع فور وصوله الى القيام بواجب عزاء ما تسبب بإصابة عشرين شخصاً آخرين. أما إهمال المُقيمين وتفلّتهم من إجراءات التباعد الاجتماعي وإرشادات الوقاية فلا يحتاج إلى دليل. جولة ميدانية صغيرة على المراكز التجارية والشواطئ والمطاعم كفيلة بعكس حجم الاستهتار الحاصل.

عضو لجنة التدابير الوقائية من فيروس كورونا مدير مكتب وزير السياحة مازن بو ضرغم لفت، في اتصال مع «الأخبار»، إلى أن الكثير من النوادي الليلية والمطاعم والمقاهي لم يلتزم بالإجراءات لتفادي الاختلاط، مُشيراً إلى أن وزارة السياحة ستصدر تعميماً اليوم للتشدّد في تطبيق الإجراءات (التقيد بالقدرة الاستيعابية والتباعد الاجتماعي والتعقيم وارتداء الكمامات…)، تحت طائلة إقفال المؤسسات بالشمع الأحمر، «وعلى أرباب العمل أن يختاروا بين الالتزام بالإجراءات أو الإقفال، كما على المُقيمين أن يدركوا أن إجراءات الوقاية والتباعد الاجتماعي نمط حياة وليست موجة عابرة». وفيما تعقد اللجنة اجتماعاً اليوم للتوصل إلى مقررات تتعلق بالاستجابة للواقع الجديد، «من المؤكد أننا متجهون نحو إعادة التشدد بالإجراءات لأن الواقع لا يُبشّر بالخير، والتشدد سيطال المغتربين بشكل أساسي»، ونبّه بو ضرغم الى أن «سلوك اللبنانيين في الفترة المُقبلة سيُحدّد إذا ما كنا سنعيد إغلاق المطار أو لا، لأنه لا يمكن السيطرة على الوباء ما لم تكن البلاد تشهد إقفالا تاماً». فيما أكّد وزير الصحة، أمس، أن التفكير في إقفال المطار «غير وارد حالياً…». وتوقع ارتفاع عدد الإصابات الأسبوع المقبل «لأنه لا يزال لدينا عدد من العيّنات للمخالطين لم تظهر نتائجها (1500 عيّنة)، مشيراً إلى ارتفاع عدد الفحوصات اليومية ليتجاوز الستة آلاف أول من أمس، وثلاثة آلاف أمس.

ووفق معلومات «الأخبار»، فإن لبنان بات يستورد ما معدله عشرون ألف فحص pcr شهرياً، علماً بأن الأرقام التقديرية تشير الى إجراء 25 ألف فحص لكل مليون مُقيم حتى الآن، وهو ما يفوق المعدل في فرنسا (21 ألفاً لكل مليون) وأقل من قطر (145 ألفاً لكل مليون).

 

تأجيل امتحانات «اللبنانية» وتعليق الدروس في «المهني»

أرجأ مجلس العمداء في الجامعة اللبنانية الدروس والامتحانات المقررة هذا الأسبوع في كليات الجامعة، أسبوعاً واحداً، على أن تستأنف الإثنين المقبل، بحسب البرنامج نفسه. في المقابل، يضغط طلاب الجامعة عبر هاشتاغ «امتحانات_الموت» على «تويتر» باتجاه إيجاد حل جذري للامتحانات الحضورية واستبدالها بوسائل أخرى، على خلفية «ما الذي سيتغير بعد اسبوع؟»، داعين إلى أن تعلو صحة الطلاب على المصالح المختبئة خلف حجة الحفاظ على مستوى الجامعة.

أما مجلس العمداء فلفت، في بيان أصدره أمس، إلى أن القرار اتخذ «بناءً على الإصابات المرتفعة المسجلة أمس داخل بعض المؤسسات، والتي لا علاقة لها بالجامعة، وتفهماً لشعور الذعر الذي أحدثته لدى الأهالي والطلاب»، وفي انتظار اتمام وزارة الصحة للترصد الوبائي وتقييمه داخل المجتمع اللبناني، خصوصاً بعدما توقعت أرقاماً مرتفعة خلال الأيام المقبلة.

وصباح أمس، جرى التداول عبر مواقع التواصل الاجتماعي بخبر إصابة أحد طلاب كلية الصحة العامة – الفرع الأول في مجمع الحدث بعد الإصابة الأولى لطالبة في كلية الإعلام – الفرع الأول. إلا أنّ الكلية أوضحت، في بيان، أن المصاب «ليس طالباً بل هو أحد أبطال الطاقم الطبي في أحد المستشفيات تواصل مع كل شخص كان على احتكاك مباشر معه»، مشيرة الى أن «شقيق المصاب طالب في كلية الصحة ولم يتواجد في الكلية منذ 26 حزيران (أي قبل 12 يوماً من تاريخ إصابة الشقيق)، كما أن الطالب أنهى امتحاناته في حزيران وسيستكمل المواد المتبقية في أيلول».

من جهتها، علقت المديرية العامة للتعليم المهني والتقني الدروس في المعاهد الرسمية والخاصة لمدة أسبوع «مع ارتفاع أعداد المصابين وحرصاً على مصلحة الطلاب».

 

الإصابات إلى ارتفاع وحالات الاستشفاء إلى تناقص

وفق أرقام «غرفة العمليات الوطنية لإدارة الكوارث»، ليوم الجمعة الفائت الذي سجّل 71 إصابة، فإنّ عدد المُصابين المُقيمين في المُستشفيات كان يبلغ 39 حالة. وبقي الرقم على ما هو عليه يوم السبت رغم تسجيل 86 حالة جديدة. أمس، ومع تسجيل 166 إصابة، أشارت أرقام الغرفة نفسها إلى أن عدد المُقيمين في المُستشفيات يبلغ 35 حالة.

صحيح أن هذا الأمر يعني عملياً أن الحالات المُسجلة لا تستدعي دخول المستشفيات، ما يشكل عاملاً مُطمئناً، إلا أنه يطرح نقاشاً حول آليّة الرقابة على معظم المُصابين ممن يلتزمون الحجر المنزلي. فهل يقطن جميع هؤلاء وحدهم في بيوت مستقلة؟ ومن يراقب آلية عزلهم وعلاجهم؟