الإلتفاف على سياسة «الحياد» وعنوان «تحرير الشرعيّة» الّذي طرحه البطريرك بشارة الراعي كخشبة خلاص للبنان ودولته لم يتأخّر كثيراً، ومناورة الإلتفاف هذه جاءت من منبر الدّيمان التي تستقطب الحركة السياسيّة، خصوصاً أن تمييع معنى مصطلح «الحياد» إذ سارع الوزير السابق جبران باسيل إلى تحديد نوعيّة الحياد الّذي يقف معه هو وفريقه ويفترض أنّ باسيل ناطق غير معلن بلسان قصر بعبدا وساكنه معلناً أنّ فريقه مع الحياد «الذي يحميه من أطماع اسرائيل (لبنان) ويزيل عن لبنان أعباء النازحين (السوريين والفلسطينيين)، وفي هذا الكلام مهزلة الإصرار على ربط لبنان بصراعات المنطقة ومحاورها من إسرائيل إلى فلسطين إلى سوريا، وهلمّ جرّاً!!
المهم أنّ حركة الديمان وتصدّرها المشهد السياسي اللبناني و»الحياد» كخيار سياسي ستصطدم عمّا قريب بحدود ما يسمح وما لا يسمح به حزب الله وأجندته السياسيّة، ولا نرى في تنشيط فكرة «الحياد» إلا تكراراً لعنوان «النّأي بالنّفس» الّذي استخدمه الفريق الذي يحجّ اليوم إلى الدّيمان وهو مدرك تمام الإدراك أنّ ادّعاء «النّأي بالنّفس» تجاه ما يحدث في سوريا ـ وهو عنوان أطلقته حكومة القمصان السّود ـ وأثبتت المعارك في سوريا أنّ «النأي بالنّفس» وهو مرادف لكلمة «حياد» لم يكن إلا خدعة إذ ما لبث أن لبّى حزب الله أوامر مرشد الجمهوريّة الإيرانيّة في الذهاب إلى سوريا للقتال، المشكلة الحقيقيّة للبنان لا تكمن فيمن يقول بل فيمن يفعل، وصاحب الغبطة هو صاحب الكلمة الفصل بإعلانه الحياد، لكنّ غبطته لا يملك القدرة على تطبيقها أو تنفيذها، فيما يملك حزب الله ترسانة صواريخ تحول دون أن يتجاوز عنوان «الحياد» كونه كلاما في الهواء!
وعلى هامش كلّ هذا «الحياد» نجد أنّه من واجبنا لفت انتباه الجميع إلى خطر كورونا الذي يحدق بنا جميعاً مع الارتفاع الكبير الذي يتراكم يومياً، ثمّة إهمال حقيقي يسود المشهد الكوروني، الأوّل تكرار وزير الصحة الحديث عن الإصرار على عدم إقفال البلد، فيما العقل والمنطق يدعوانه إلى الدّعوة إلى اجتماع طارىء تتّخذ فيه إجراءات تًعيد ضبط شروط الأمان وعدم ترك الحبل على الغارب والفلتان الذي يحكم المشهد لأنّ الجميع لا يفكّر إلا بـ «المصاري»، فاتحين الباب على مصراعيه لنقل العدوى وانتشارها! والثاني، هو هذا التجاهل لواجب وزارة الصحة وهيئة الكوارث في ضبط موضوع العزل بعدما ثبت وبشكل فاضح أنّ كثيرين من حملة الفيروس لم يحجروا أنفسهم وتنقّلوا بين الناس ناشرين العدوى القاتلة، أين سياسة الحجر التي كانت تنفّذها وزارة الصحة بالتعاون مع بضعة فنادق من باب التحوّط، ثم أين المستشفيات التي تمّ تجهيزها لحجر القادمين من الخارج ويحملون الفيروس؟!
إسمحوا لنا، إذا كانت حالة واحدة تحتك بـ 50 شخصاً من محيطها وإمكانية نقلها العدوى لـ 30 شخصاً، من أين ستدبّر الحكومة مستشفيات وعدد أسرّة كافيا تواجه به تفشّي العدوى، ربما من الأفضل مراجعة تقدير أننا في المرحلة الرابعة من الموجة الأولى لكورونا، قد نكون دخلنا في الموجة الثانية بفعل التراخي الشديد الذي يرفع أعداد الإصابات يومياً..
أخوف ما نخافه أن يصيب لبنان ما أصاب إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وإنكلترا من تفاقم في أعداد الإصابات وتسجيل أعداد وفيّات بالآلاف، لبنان لا يتحمّل هذا المستوى من الاستخفاف، مصلحة الشعب الصحية تعلو فوق كلّ مصالحه الاقتصادية والماليّة، حتى ولو أرغم على ذلك، وبدلاً من تدفيع «المكورون» غرامة اختلاطه وعدم حجر نفسه، إحجروه في مستشفى حكومي وكفّوا شرّ العدوى وبلاء الوباء عن الناس، الحياد لا ينفع أبداً في الموضوع الصحي!