IMLebanon

تخبّط “كوروني” بين “الداخلية” و”الصحة” والمواطن يدفع الثمن

 

“إذا بدك تخرب بلاد، ادعي عليها بكتر الروس”… يصف هذا المثل العريق معاناة اللبنانيين الضائعين بين طرفي “التخبط” الدائر بين قرار وزير الداخلية محمد فهمي بمنع الأعراس والتجمعات من جهة، واستثناءات وزير الصحة حمد حسن لـ7 أعراس من جهة أخرى. ومع بلوغ عداد الإصابات بفيروس كورونا عتبة الـ4730 يبدو واضحاً أن التجاذب السياسي القائم بين وزراء التكنوقراط لن يتوقف عند مجرد فوضى الحكومة وحالة “إصدار القرارات المتناقضة”، بل سيمتد إلى سلسلة من الإنتقادات لأدائهم المتسم بالإستهتار.

 

بين شُبهة اللاتنسيق وإشكال القرارات المتباينة والمتضاربة، يدرك المتابع أن “الحكومة” والأحزاب الراعية لها من وراء ستار، تمران بمرحلة انعدام توازن وحالة من التراجع عن الضبط والدعم. باختصار، لم تعد هذه الحكومة بكل ما فيها من وزارات قادرة فعلياً على معالجة الأزمات ولا حتى على تسويق ذاتها إعلامياً، مهما شهد الشعب إطلالات لوزير الصحة حمد حسن أكثر مما يشهد إعلانات لأي مُنتج تجاري.

 

تسطير محاضر ضبط

 

“شرط الإلتزام بإجراءات الوقاية” تأتي في الصيغة اللبنانية كمن يطلب من اللص القسم فيأتيه الفرج. لكن يبدو أن وزير الصحة حمد حسن بعيد عن المعادلات اللبنانية، إذ إنه وبالرغم من اتخاذ الحكومة اللبنانية قراراً بالإقفال التام لمدة 4 أيام من الخميس حتى الاثنين ومنع إقامة الحفلات، كشف ناشطون على “وسائل التواصل الإجتماعي” عن استثناءات منحها وزير الصحة سامحاً بإقامة عدد من الأعراس ليعود حسن ويقرّ أنه أعطى إذنا لتنظيم 7 أعراس شرط “الالتزام بإجراءات الوقاية” تماماً كاستثناءاته السابقة وإدخاله الأدوية الإيرانية إلى لبنان، بأوامر وزارية خلافاً لكل المعايير المتبعة والتسلسل الزمني لطلب التسجيل. ولذا لم يكن مستغرباً أن يحاول، مرة جديدة، تقزيم دور غيره من الوزراء وإضعاف دور وزارة الداخلية بما يمنح “حزب الله” الفرصة لمزيد من تثبيت موقعه باعتباره المتحكّم الرئيسي في المشهد السياسي.

 

تخطى حسن قرار الإقفال الرسمي المجتزأ والمتقطع، بحجة بررها في حديث تلفزيوني قائلاً: “علينا أن نتكيف ونعيش الأفراح والأحزان لكن بضوابط وإجراءات معينة”. وأضاف: “في حال تسجيل خروق للإجراءات في الاستثناءات التي أعطيناها لحفلات زفاف فيتم التنسيق مع وزارة الداخلية لإعادة النظر بالاستثناء”.

 

إلا أن هكذا استثناءات كان يجب أن تليها متابعة مستفيضة وآلية مراقبة بغية التأكد من صحة تطبيق اجراءات السلامة الوقائية. ولكن فائض القوة التي يتمتع بها وزير “حزب الله” حالت بينه وبين التنظيم والتنسيق مع وزارة الداخلية. فما كان من وزير الداخلية محمد فهمي إلا أن أصدر بياناً حذّر فيه من “تسطير محاضر ضبط بكل من أقام الحفلات والسهرات بما فيها الزفاف في أيام الإقفال التام الماضية من دون أي وجه قانوني، معلناً رفضه “أي إذن من أي جهة كانت”، في إشارة واضحة وانتقاد لإجراء وزير الصحة. وأضاف: “بالتالي، فإن أي إذن من أي جهة أو سلطة أتى، ممنوع إطلاقاً، على أن يصار إلى تسطير محاضر ضبط بحق المخالفين للقرار الصادر عن وزارة الداخلية والبلديات حول التدابير والإجراءات المتخذة للحد من انتشار وباء كورونا”.

 

فكما كان متوقعاً، بدا الإهمال و”الإستلشاق” سيد الموقف وانتشرت مقاطع فيديو أظهرت خلو الحفلات من هذه الإجراءات، بعناوين ساخرة كـ”الكورونا يدبك مع العرسان” أو “مبروك الكوفيد 19″ فيما عمدت قوى الأمن الداخلي إلى فرض غرامة على العروسين قيمتها 25 مليون ليرة لبنانية، لمخالفتهما قرار الحكومة، علماً أن أحد هذه الأعراس كان لملكة جمال لبنان السابقة والممثلة اللبنانية فاليري أبو شقرا التي عقد قرانها البطريرك الماروني بشارة الراعي في مقر البطريركية المارونية.

 

موجة غضب

 

أثار هذا التضارب في القرارات بين الوزارتين المعنيتين بمواجهة فايروس كورونا، موجة غضب شعبية بين الناشطين والإعلاميين بخاصة أن وزير الداخلية كان سمح بإقامة الحفلات التي كانت محددة في عطلة نهاية الأسبوع وحال الإقفال دون إقامتها إلى إعادة تنظيمها يومي الثلثاء والأربعاء في ما تمت الإشارة له بسخرية كـ”عطلة كورونا”.

 

بعيداً من المزايدات اللفظية بين الفريقين، وبين من يعتبر الأعراس بؤرة للفيروس ومن يراها كنافذة أمل في زمن الوباء، تناقل اللبنانيون بغضب مقاطع وصوراً من الأعراس الإستثنائية تدل عن “دخول المحسوبيات حتى في كورونا”. كما لاقى هذا التخبط والإرباك في الإجراءات انتقادات واسعة بخاصة أنه تم الكشف في الأيام الأخيرة عن إصابات نتيجة التواجد في حفلات وأعراس كانت آخرها في بلدة الريحانية في البقاع.

 

وكتبت الإعلامية اللبنانية لاريسا عون على “تويتر”: “على أي أساس يمنح وزير الصحة هذا الاستثناء؟”. وكتب الإعلامي بسام أبو زيد على “تويتر”: “خلاف بين وزارتي الصحة والداخلية بخصوص تدابير الإقفال لمواجهة كورونا ولا سيما حفلات الزفاف، وكأن كل وزير من حكومة ومن بلد”. وسأل هادي: “كيف يمنح وزير الصحة استثناء لأعراس؟ هل يعني ذلك أن كورونا يتجول بأوامر من هذا الوزير؟”.

 

تخاذل 3 وزارات

 

وسجل لبنان، مستوى قياسياً في معدل الإصابات بلغ 175 إصابة جديدة، ليرتفع الإجمالي إلى 4730 إصابة موزعة على 9 محافظات، كما ارتفع اجمالي الوفيات إلى 63 وفاة، فضلاً عن تعافي 1753 من المصابين. وفي حديث مع أستاذ مادة الوبائيات وطب المجتمع في الجامعة اللبنانية في بيروت الدكتور سليم أديب حول وضع “كورونا” في لبنان حالياً، يشرح لـ”نداء الوطن” أن امكانية السيطرة على الوباء واضحة ولكن هناك تخاذل كبير من جهة ثلاث وزارات معنية أولها وزارة الصحة ووزارة النقل المعنية بالمطار ووزارة الداخلية. وبحسبه “وصلت ملايين الدولارات إلى يد وزير الصحة كان يجب ان ينفقها لتحسين الاجراءات في المطار ولتأمين أماكن الحجر للوافدين، إلا انه تم انفاقها بشكل غير مسؤول عبر توزيع PCR KITS كهدايا عيد الميلاد ودون تعليمهم على استخدامها حتى”. وأشار إلى أن “الصراع السياسي مشروع، أما ما يجري اليوم من صراع نفوذ ومحسوبيات، فقد تجاوز حدّه، وأصبح يهدّد صحة المواطنين، هذا إذا أخذنا في الاعتبار الأرقام المتزايدة يومياً للمصابين بكورونا وارتفاع نسبة المرضى بشكل صاروخي، وتهاوي اجراءات الوقاية والسلامة العامة، بالإضافة إلى مؤشر عدم إلتزام أكثرية المواطنين بالتدابير. فحالة التراخي والإستهتار الاجتماعي واللامبالاة والتخبط بين الوزارات تنذر بكارثةٍ فعلية، حيث تتضاعف مسؤولية من يتولون زمام الأمور في مواجهة الوباء الذي يتفشى سريعاً في لبنان الذي يعاني من أزمة إقتصادية غير مسبوقة”.

 

خسائر متعهدي حفلات الزفاف

 

وتقول متعهدة حفلات زفاف سارة دمشقية لـ”نداء الوطن” إلى أن تفشي فيروس كورونا المستجد وقرار الإقفال في مواجهته “كبدا قطاع الترفيه والأعراس في لبنان خسائر كبيرة تقدر بملايين الدولارات. إذ اضطر العديد من الأزواج المستقبليون إلى إلغاء حفلات زفافهم أو تأجيلها واتخاذ تدابير خاصة انعكست سلباً على مجموعة واسعة من الشركات التي تتداخل أعمالها بدءاً من صالات الأعراس، شركات تقديم الطعام، بيع الزهور، شركات تصنيع فساتين الأعراس، جلسات التصوير وحجوزات الطيران”. وهو ما تأمل أن يتغير في القريب العاجل من دون الحاجة إلى اللجوء إلى الاستثناءات والمحسوبيات لأشخاص معينين دون آخرين.

 

ختاماً، إن أي فعل ناقص أو إيجابي سيعود أخيراً ليصب في حساب العهد الحالي. وعليه، فإن هيمنة “حزب الله” على الحكومة، والآن على زواريب كورونا، ستجعل كل خياراتها محسوبة عليه، خصوصاً مع خروج المعارضة من التشكيلة الحكومية الحالية وهو ما يعني أن توزيع الفشل في حساب المسؤوليات سيكون، في قسطه الأكبر، راجعاً إلى خيارات الرئاسة.