بين الفتح والاغلاق ومستقبل الكورونا الحلّ بإبعاد الميليشيات عن المؤسسات بعد انهيار نظرية الأقوياء في طوائفهم؟
يفتتح الأسبوع الأول من آب على خليط من إجراءات الاقفال وفتح البلد جرَّاء وباء كورونا، الذي تبشر منظمة الصحة العالمية بأنه وباء «طويل العمر» والارتدادات المدمرة والقاتلة، وتسابق روسيا الاتحادية، التي يزمع رئيسها فلاديمير بوتين، على تعديل الدستور، بحيث يصبح على طريقة «رئيسنا إلى الأبد..»، رئيساً دائماً لروسيا، تسابق على أنها ستضع قيد الاختبار التجاري أوّل لقاح لقطع الطريق على Covid-19 في تشرين الأوّل المقبل، وتتم عملية الافتتاح والاحتفال، وسط خلاف، ظهر إلى العلن بين وزير الصحة حمد حسن والداخلية محمّد فهمي، على خلفية مَن يكون صاحب الصلاحية في الترخيص لإقامة حفل لأعراس سبعة في لبنان (لا ننسى أن آب هو شهر الأعراس). فحسن رخّص، وفهمي، سيحاسب من أقام الحفل أو الحفلات، وخالف تعاميم وزارة الداخلية، في وقت، فعلت وزارة المال، حسناً، عندما ردّت بقوة الوقائع، وقوة مشروعية الدولة على رئيس إدارة أحد المصارف، المتهمة بحجز أموال المودعين، ويشغل حالياً، رئيس جمعية المصارف، بأن أموال الموظفين، دفعت من مالية الدولة، وليس من مالية المصارف، وذلك، بعدما انبرى هذا الشخص (رئيس مجلس إدارة البنك) إلى الإعلان أن رواتب المتقاعدين، وهم لا يقلون عن مائة ألف متقاعد بين مدني وعسكري، تمت بترتيبات بين المصارف والمالية، بمبادرة من المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، بعد «خطأ تقني» أو كهربائي، أو سوء إدارة أدى إلى عدم تحويل المعاشات التقاعدية إلى المصارف.
من هذين المؤشرين، الصحي- الوزاري- والرسمي- المصرفي، يتضح أن المسار العام للوضع الداخلي في لبنان محكوم بتفاعلات، تجمع بين الرغبات الصريحة أو المكبوتة بتحقيق خرق في الانهيار العام، والعجز الضمني أو المباشر عن إتيان أي فعل، في ضوء فلتان غير مسبوق، على كل المستويات، وانعدام مسؤولة، ملحوظة، على كل المستويات أيضاً، مع طفولية في المعالجة، لا تقتصر على سلطة القرار، (إذا كانت ثمة قرار لدى أحد في هذا البلد)، بل على سائر السلطات، التي ينص عليها الدستور، من التشريعية إلى التنفيذية، فالقضائية..
وإذا مضى المراقب، يتوقف عند المؤشرات اليومية، التي تحمل بشائر «شؤم» و«عجز»، ومصائب، لفاض «الكوب» بما فيه من مخاوف، ماثلة، عن مصير غامض لنظام التغذية بالكهرباء (التقنين) إلى مصير غامض لمصير العام الدراسي المقبل، وحتى الجامعي (رئيسة المركزي التربوي للبحوث والإنماء تكذب وزير التربية والتعليم العالي حول الجهوزية لانطلاق العام في أيلول أو حتى ت1).. إلى مصير غامض للمحروقات، كالبنزين والمازوت، وربما أيضاً الغاز المنزلي.. امتداداً إلى وضعية شديدة الغموض، في ما يتعلق بسعر صرف الليرة التي، خسرت أكثر من 80٪ من قوتها الشرائية..
الشيء الثابت، في هذا الخضم المتدهور، هو أن الغموض، في ما خص المسار العام، معقد الغموض: والاسئلة، تتوالي عن كل شيء يتعلق بمصير الأوضاع، أو حتى مآلها، ما خلا إطمئنان «الفئة الحاكمة» على مصيرها.. فهي لم تتأخر لحظة عن اجراء فحوصات الكورونا، من المجلس إلى الوزراء، مروراً بالرؤساء.. حتى لا تصاب بالكورونا، ويحدث لأحد من «العناصر المكوّنة» لهذه الفئة مكروه… (لا سمح الله!!).
لا أحد، يعرف سوابق في التاريخ، تتحدث عن فئة تحكم، وغيها إلى الوراء.. فعند كل مصيبة، تقع فيها، تكون التهمة جاهزة، السلطة السابقة، هذا مع العلم، أن في السلطات الحالية، مَن هم لعبوا وساهموا في التأسيس لجبل الأزمات اللبنانية.
لا تكتفي السلطة القابضة على الحكم اليوم، بكونها تعيش تحت وطأة «المؤامرة المتمادية» من الخصوم لشلّ حركتها أو انتاجيتها، أو منعها من العمل، أو التحريض العربي، والدولي عليها، لا سيما من الأصدقاء التقليديين للبنان، كفرنسا وغيرها..من دول الاتحاد الأوروبي، بل، وهي تسعى لمقاربة أزمة من الأزمات، وما أكثرها (أي الأزمات) من زاوية «تبرير العجز»، وإحالة العجز ليس، فقط إلى البنى المتحكمة بالاجتماع، والاجتماع السياسي اللبناني، والمكوّنات، وبنية السلطة المهيمنة على المقدرات، والنظريات «الآسنة» التي حكمت الائتلافات السياسية، وغياب الرجال، المؤتمنين فعلاً، على مصالح البلاد والعباد، بل تحيل الفشل أو العجز إلى معارضة ممتدة في بنية الدولة ومؤسساتها، أو إلى قوة قوى الفساد، وسوى ذلك من العناصر، التي لا يمكن اغفالها، أو اهمالها، ولكن، ليست العبرة لها في فهم القصور..
عكس كل المعادلات، التي تحكم النظم والمجتمعات، تأتي القوى الفاعلة، بإدارة للأزمة، أو «بحكومة» من القوى الأقوى، أو الأشد قدرة على الفعل، كيف يمكن لوزراء، بصرف النظر عن أشخاصهم، ومحتدراتهم (أي أصولهم، وهي جميعهم من أصول كريمة، لها وزنها واعتبارها) لا يصلحون، إلا لأدوار محدودة، ربما، وليس لإدارة ملفات، يختلط فيها الفني بالسياسي، وتحتاج إلى أكتاف قادرة على حمل الوزر، أو الأوزار..
كان انتقاء الحكومة، من قبل الطبقة السياسية، الحاكمة فعلاً، ضرباً من اللامسؤولية، الوطنية، إن لم نقل الأخلاقية.. فمن كان يأمل، من اللحظة الأولى، بوقف التداعيات (وليس إيجاد حل أو حلول)؟ لا أحد بالطبع..
والخطأ الثاني، كيف يمكن لفئة، أن تدير السلطة الثالثة، وهي من خارجها: أين أصبحت نظرية الاقوياء في طوائفهم، (أستاذ باسيل)، أليست هذه النظرية هي التي أوصلت العماد ميشال عون إلى الرئاسة الأولى؟ أليس هذه النظرية هي التي أبقت الرئيس نبيه برّي، في موقعه على رأس السلطة الاشتراعية لثلاثة عقود من الزمان؟
لماذا، تمّ إحراق هذه النظرية في الأوقات الصعبة، عندما كانت المصلحة العليا، تحتاج إلى «رئيس قوي» من طائفته، على رأس السلطة الاجرائية (أو رئاسة الحكومة).
والخطأ الثالث: كيف يمكن إبعاد الطبقة السياسية عن إدارة الدولة، وهي التي أتت بمرشحيها إلى الوظائف العليا، للمشاركة في صناعة القرار السياسي، والمالي، والمعيشي، والنقدي، وصولاً إلى الهيمنة على كل المقدرات، بعيداً عن الكفاءات، والمحاضرات التي لا تتوقف عن العفة والعفاف، والشفافية، والكفاءات العالية، وأطنان الأوسمة والأبحاث، والخبريات الرخيصة لهؤلاء…).
والخطأ الرابع: هل يمكن بناء سلطة تنفيذية في بلدة مثل لبنان، محكوم بتوازنات في الداخل والخارج، منذ تأسيسه، قبل 100 عام إلى يومنا هذا؟ هل يمكن بناؤها خارج موافقة عربية ودولية، وإلَّا كيف يكون التعاون.
خارج سلسلة من الأخطاء التي حكمت بناء شبكة المعالجة، للوضع «الآثم» الذي تسبب به «أمراء الطوائف» والميليشيات الحاكمة من موقع الشرعية، بعدما شرعنتها التفاهمات الكبرى، التي حكمت نظام العلاقات في الشرق الأوسط، منذ التهوُّر الخطير الذي أقدم عليه رئيس العراق في العام 1991 بغزو الكويت، وتشكل حروب ورهانات، آلت إلى «نظام الوصاية»، وابداعاته في بناء سلطة تحالف امراء الحرب مع مشروع التسوية في المنطقة، والتي أرست دعائم البناء من جهة، والتحرير من جهة، لكن في الوقت نفسه، كانت تؤسس لمشروع انهيار جديد.. نشهد فصوله اليوم..
لم تعد المكابرة، تنفع في وفق الانهيار، والانطلاق إلى أجواء تعيد الثقة.. فثقة الداخل، تحتاج إلى قرارات، ذات فعالية بإعادة الكهرباء، ووقف انهيار العملة، ووقف انهيار القوة الشرائية..
وثقة الخارج، عبر عنها الموفد الفرنسي- الأوروبي، جان ايف لودريان، وزير خارجية فرنسا: لا مساعدات بلا إصلاح.. ولا مساعدات أو إصلاح مع هذه الفئة الحاكمة، الفاسدة، (ليس المقصود الحكومة هنا).. فالحكومة هي الفئة العاجزة.. لا أكثر ولا أقل..
وما لم يقله الأجنبي، أو حتى العربي، أو حتى الأمم المتحدة، هو أن لا تقدُّم ما لم تُقصَ طبقة الميليشيا عن السلطة.. لصالح مجموعة صالحة من مكونات المجتمع.. وهي موجودة طبعاً!