الإقفال العام للحدّ من انتشار “الجائحة العالمية” يقتل المؤسسات ولا يحدّ من تفشي الوباء
أيهما أشد خطراً على البشرية الموت بـ”كورونا”، أم الموت من الجوع بسبب إجراءات الحد من انتشارها؟ سؤال تحول أخيراً إلى جدل عالمي مع بروز مؤشرات اقتصادية سلبية غير مسبوقة منذ الكساد العظيم سنة 1929.
منظمة “أوكسفام” الخيرية البريطانية أشارت في أحدث تقاريرها إلى ان عدد الوفيات من الجوع المرتبط بالوباء قد يبلغ بنهاية العام الجاري قرابة 12 ألف وفاة يومياً، أي ربما ضعف الحصيلة اليومية لضحايا فيروس كورونا في شهر نيسان 2020. أما منظّمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” فتوقعت أن “يُعاني نحو 7 ملايين طفل إضافي آثار سوء التغذية، بسبب الأزمة الاقتصاديّة والاجتماعيّة الناجمة عن الجائحة، ما قد ينعكس 10 آلاف حالة وفاة إضافيّة للأطفال شهريّاً”. وبحسب “منظمة العمل الدولية” فان الجائحة سترفع عدد العاطلين عن العمل إلى 400 مليون، وتخفض الناتج العالمي بنسبة 4.9 في المئة وتلحق بالاقتصاديات خسارة بقيمة 12.5 تريليون دولار خلال العام الحالي.
خفة في المعالجة
هذا الواقع الاسود الذي يخيم فوق القارات، قاربته حكومتنا المستقيلة بخفتها المعهودة. فلم تجد أسهل من اتخاذ قرار بالاقفال الاستنسابي بين 21 آب و2 أيلول ضاربة تربع لبنان على عرش العالم بالافلاس والانهيار النقدي عرض الحائط، واحتلاله المرتبة الأولى على سلم الازمات الدولية، ومعاناة 300 ألف أسرة بشكل مباشر من انفجار المرفأ. فمقابل إطلاق شعار “الإعمار بيكمّل” لم يستثنِ القرار 1003 المتعلق بالاقفال، المؤسسات والشركات التي تعنى ببيع مواد البناء والتجهيزات المنزلية. ذلك على الرغم من لفت نظر المعنيين الى التناقض الصارخ بين القرارات والواقع على الارض. وهذا يعود بحسب رئيس جمعية تراخيص الامتياز في لبنان يحيى قصعة إلى “غياب الرؤية، ومعالجة النواقص غب الطلب. الامر الذي يؤدي إلى ضياع التجار وأصحاب المؤسسات والتسبب بحالة من عدم اليقين في مختلف القطاعات الخدماتية والانتاجية”.
في إطار سعيها للتوفيق بين حاجة المؤسسات للانتاج والعمل وبين خطر “كورونا”، إستقدمت جمعية تراخيص الامتياز من المجلس العالمي لـ “الفرانشايز” الممارسات الفضلى المطبقة في 733 ألف مؤسسة حول العالم. والتي، للمفارقة، لا تنص على الاقفال في أي قطاع. بل تفرض شروطاً محددة للسلامة كالتباعد الاجتماعي وقياس الحرارة ووجوب وضع الكمامة والتعقيم.. وغيرها من الاجراءات الحمائية التي تتصل بكل قطاع بقطاعه. “هذا النموذج العالمي الذي أثبت صحته يجب تطبيقه في لبنان”، يقول قصعة. “وليس سوق كل القطاعات سواسية بعصا الاقفال المدمرة التي تزيد معاناة القطاعات”. وبحسب قصعة فان “قطاع “الفرانشايز” في لبنان الذي يبلغ حجمه 5200 مؤسسة خسر 75 في المئة من حجم اعماله وفقدان 50 ألف وظيفة من أصل 105 آلاف فرصة عمل كان يؤمنها هذا القطاع.
إجراءات إستنسابية
يجزم أصحاب المصالح ان الاجراءات المتبعة فيها الكثير من العشوائية. وهي لم تأخذ في الاعتبار عدم تسجيل تفشٍ كارثي للوباء في المجمعات التجارية والمتاجر ومحلات بيع الألبسة، التي تأخذ أكثر أساليب الحيطة والحذر ولا تشهد اكتظاظاً. على عكس ما يحدث في محلات بيع المواد الغذائية والدكاكين المنتشرة في المناطق والاحياء ومراكز “النافعة”. أما الرقابة الصارمة وانزال العقوبات فمحصورة بين جبيل وبيروت وبشكل استنسابي. حيث غرمت محلات بيع ألبسة في شارع الحمرا لا يدخلها أكثر من 5 أشخاص طيلة النهار، فيما لم تصل الرقابة إلى بعض الشوارع الشعبية التي تشهد زحمة خانقة. وبحسب اقتراح “جمعية تراخيص الامتياز” فان “تمديد وقت توصيل طلبيات المطاعم إلى البيوت ساعتين أي من السادسة مساء ولغاية الثامنة، والسماح للمطاعم التي تملك فسحات خارجية مكشوفة بالعمل بنسبة 50 في المئة يخفف كثيراً من حدة الازمة على قطاع المطاعم تحديداً”.
الإقفال أسهل الحلول
القرار بالاقفال هو اسهل الطرق لمعالجة ارتفاع عداد “كورونا” ولو أدى إلى موت المؤسسات. وهو يأتي بحسب نائب رئيس مجموعة “انا خط احمر” وضاح صادق، “بعد سلسلة من الاجراءات الفاشلة التي بدأت مع “لا داعي للهلع”، في الوقت الذي بادر فيه القطاع الخاص والمؤسسات إلى التنبيه وممارسة الوقاية الذاتية، ومرت باتخاذ القرار باقفال المطار بعد مناشدات ومطالبات حثيثة من قبل المواطنين والجمعيات، وصولاً اليوم الى عدم وجود خطة صحيحة للمعالجة وتحويل وزارة الصحة إلى خلية حزبية تعمل وفق تعليمات حزب معين وتتعاطى مع الموضوع وفق مصالحه”. قبل مدة قُدّم إلى لبنان 65 مليون دولار لتحضير البلد إلى ما قد يأتي من “كورونا”. كان المفترض ان تستخدم هذه الاموال في تحضير المزيد من المستشفيات وزيادة عدد الغرف وأجهزة التنفس. إلا ان “الاموال استعملت في غير مكانها”، يقول صادق. و”أصبحنا اليوم عاجزين عن التعامل مع الاعداد المتزايدة للمصابين ونخشى من فقدان السيطرة”. من ناحية أخرى فان الدولة عاجزة عن فرض القانون الذي تضعه سواء في فرض وضع الكمامة في الكثير من المناطق ومراقبة نسبة الاشغال في المطاعم والمؤسسات. “هذه الاسباب مجتمعة دفعت بنا كمجموعة “أنا خط أحمر” وغيرها من الجمعيات والنقابات التجارية واصحاب المؤسسات إلى رفض اجراءات التسكير، التي استثني منها هذه المرة بمفارقة غريبة الحلاقون ومراكز النافعة، وغيرها من القطاعات التي تشهد زحمة خانقة”. يمر لبنان من الناحية الاقتصادية والامنية والسياسية والصحية بأدق مرحلة على الاطلاق. وبدلاً من احتساب الخطوات بميزان “الجوهرجي”، تتخذ قرارت غير مفهومة ولصالح جهات معينة، وهو ما دفع الجميع إلى التمرد عليها واعلان رفضهم لها. وأول الغيث قرار الهيئات الاقتصادية باعادة فتح ابواب المؤسسات طبقاً للشروط والاحكام الصحية والوقائية ابتداء من صباح الغد.