الأطفال الفئة الأقلّ عرضة للإصابة
حالة هلع تصيبنا مع كل “عطسة” في مكان عام أو في أي مكان. والخطوة الأولى للحماية سهلة جدّاً الّا وهي وقف الخوف والقلق، لأنّ الـ”Stress” هو العدو الأول لجهاز المناعة، وهذه معلومة طبية علمية ونصيحة بـ”جمل” وأكثر. وعند النظر إلى تداعيات أشد الأوبئة فتكاً بالبشرية على مدار التاريخ، يبدو الكورونا كحمّى عابرة ليس أكثر.
يعرف الوباء بأنه انتشار لمرض معين، حيث يكون عدد حالات الإصابة أكبر مما هو متوقع في مجتمع محدد أو ضمن مساحة جغرافية معينة أو في موسم أو مدة زمنية، وفقاً لتعريف منظمة الصحة العالمية. وبمجرد ذكر كلمة “وباء” اليوم، أول ما يتبادر الى ذهننا هو فيروس “كورونا” المنتشر حديثاً والذي انطلق من الصين، الى مختلف أنحاء العالم ومنه لبنان، ما أثار حالة هلع جماعية، أعادت إلى الأذهان أكبر كارثة حلت بالعالم في العصر الوسيط وهي الطاعون أو “الموت الأسود” الذي فتك بنحو ثلث سكان العالم آنذاك.
الأطفال في خطر؟
وكأنه كان ينقص لبنان بعد فيروس “الكورونا” حتى “تكمل معنا”. على أي حال، أهلاً وسهلاً بالكورونا في بلدنا، الذي سجل حتّى الآن عدة إصابات مؤكدة عُزلت في مستشفى رفيق الحريري الجامعي، والذي كان قد استقبل خلال الـ24 ساعة الماضية 40 حالة في قسم الطوارئ المخصص لاستقبال الحالات المشتبه بإصابتها بالفيروس، خضعت كلها للكشوفات الطبية اللازمة. واحتاج 9 منها إلى دخول الحجر الصحي، استناداً إلى تقويم الطبيب المراقب، فيما تلتزم البقية الحجر المنزلي.
يتميز الكورونا عن غيره من الفيروسات بقدرته على الانقسام والانتشار السريع، ويمكنه تغيير هويته أو شكله (Mutation) بشكل حثيث، أي بمثابة عملية تهجينية، ما يقف عائقاً أمام امكانية السيطرة عليه بشكل كامل في الجسم حالياً. ولكن البشرى السارة في هذا الموضوع، أنّ مع بداية فصل الصيف ستزيد فرصة التخلص من هذا الفيروس الذي يستغل الظروف المناخية الحالية، لأن الحرارة المرتفعة (30 وما فوق) تفقده القدرة على الانقسام ما يفتح المجال للخلايا المناعية للسيطرة عليه داخل الجسم، على حدّ قول الاختصاصي في علم المناعة والباحث في مركز الابحاث التابع للمركز العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية الدكتور حسان سعيّد، الذي أعتبر أنّ “الكورونا ليس فيروساً مستعصياً على قدرة الجسم في السيطرة عليه، فالعملية المناعية فعالة في مكافحته”، مشدداً على أنّه “لا داعي لعيش حالة من القلق والهلع، لان الشخص الذي يتمتع بجهاز مناعي سليم لن يصيبه أي مكروه، وسيتمكن من السيطرة على الفيروس بكل سهولة، شرط المحافظة على فعالية جهاز مناعته. وفي هذا السياق، لا بد أن نلفت الى أنّ الاشخاص ضعيفي المناعة هم الاكثر عرضة مثل مرضى السرطان الخاضعين للعلاج الكيميائي، مصابي الإيدز، المسنين وغيرهم. هذه الفئة بالذات، عليها أخذ الحيطة والحذر بشكل جدّي، مع وقف الاختلاط وعزل نفسها لمنع الاصابة. المفارقة الايجابية في هذا الموضوع أنّ الأطفال هم من الفئة الأقل عرضة للاصابة والأسرع في الشفاء، ويعود ذلك الى وجود نوعين من ردات الفعل المناعية، الاولى هي الخلقية العشوائية (خط الدفاع الأول)، والأخرى المحددة، وتعتبر الأولى فعالة بشكل سريع على فيروس كورونا، شرط أن يكون الولد معافى وسليماً. أمّا بالنسبة للأشخاص المتعافين فالخطوة الاولى للوقاية تبدأ بوقف القلق والخوف، لان حالتهم هذه تضعف جهاز المناعة بشكل جدّي. وتقتصر طريقة تشخيص الفيروس، على فحص الـ “PSR”، وهو عبارة عن دراسة جينية للحمض النووي (DNA) الخاص بكورونا. وكنت قد طرحت على وزير الصحة فكرة تكوين الأجسام المضادة “Antibodies”، لاستخدامها في تشخيص الفيروس في الجسم”.
حقيقة اليانسون
أصبحت “العطسة” في العمل أو الجامعة أو في أي مكان عام كفيلة بنشر حالة هلع ورعب جماعية بين الناس، وهذا أمر مضر جدّاً ويخلق جواً سلبياً في المجتمع ككل، ولكن هذا لا يعني “الاستلشاق” بالفيروس أو عدم اخذ الحيطة والحذر، ولكن الوعي والاحتياط يفيدان أكثر من الهلع والخوف، ويشدد د. سعيدّ على “الزامية المحافظة على النظافة الشخصية والتعقيم، ابعاد الأيدي عن العيون والأنف والفم، ضرورة السعال بأدب وليس في وجه الشخص المقابل لنا، وتناول بعض المأكولات التي تدعم جهاز المناعة كالثوم والجوز عكس اللبن واللبنة والجبنة… التي تضعف جهاز المناعة. كذلك، ممارسة التمارين الرياضية للتخفيف من الضغط النفسي ما يفيد جهاز المناعة”.
ولكن ماذا عن فوائد اليانسون، الذي ما إن سمع اللبنانيون بالكورونا حتّى كاد أن “ينقطع” من السوق بسبب زيادة الطلب عليه ظنّاً منهم أنه يحميهم من العدوى. يضحك د. سعيدّ قائلاً إنّ “الموضوع ليس باليانسون بالذات، ولكن المشروبات الساخنة تفيد بعكس الباردة، لانها تساعد الطبيعة الكيميائية للجسم “PH” في رفض الفيروس. أمّا الكمامة فلا تحمي بنسبة 100 في المئة، وليست كلها فعالة ضد الكورونا، بالاضافة أنّ سوء استخدامها يضر بدل أن يفيد”.
الصين تُصدّر الأوبئة
يتساءل كثيرون عن العلاقة التي تجمع الصين بالأوبئة، وتختلف الآراء ما بين نظريات المؤامرة والأسلحة البيولوجية وبين واقع العناصر المختلفة التي تلعب دوراً في جعل الصين الاسم المشترك الأكثر تكراراً في مسألة انتشار الأوبئة في العالم، ولا سيما الكثافة السكانية في هذه الدولة الذي يقارب عدد مواطنيها الـ 1.5 مليار نسمة، ويأتيها الزوار من كل أنحاء العالم، وتصدر البضائع المختلفة إلى جميع القارات. وبالعودة الى علاقة الأوبئة بالصين، نلاحظ أنّ تاريخ هذه الدولة حافل، ففي الفترة بين عامي 1957 و1958 ظهرت الإنفلونزا الآسيوية في الصين وانتشرت بشكل كبير، وأدت إلى وفاة ما لا يقل عن مليون شخص حول العالم. وفي ما بعد تم الحد من انتشار الوباء نتيجة تطوير لقاح فعال ضده. بعدها بـ 10 سنوات (بين العامين 1968 و1969) ظهر فيروس آخر في هونغ كونغ عرف بإنفلونزا هونغ كونغ، أدى الى وفاة نحو مليوني شخص في تلك الفترة حول العالم. وفي بداية الألفية الحديثة، ذعر العالم من أخبار انتشار فيروس جديد، حصد أرواح البشر بشكل سريع، وهو متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد “سارس” التي تفشت في العام 2003 في الصين أيضاً، وظهرت للمرة الأولى في إقليم غوانغدونغ جنوب الصين، ما تسبب بإصابة أكثر من 8000، وأكثر من 800 وفاة. وفي العام 2013، عادت إنفلونزا الطيور للظهور، واجتاحت في بداية الأمر مزارع دجاج في هونغ كونغ قبل انتقالها إلى البشر، مما دفع في ما بعد منظمة الصحة العالمية لإعلان حال طوارئ صحية عالمية.
أهم الأسلحة البيولوجية
في الانتقال الى احتمال المؤامرات المتمثل بالحرب البيولوجية، يقول د. سعيّد إنّه “احتمال وارد”، شارحاً بأنه “يُقصد بالأسلحة البيولوجية العوامل المسببة للأمراض والأوبئة المختلفة، ويندرج تحت هذا المصطلح العسكري كل من: البكتيريا، الفطريات، والفيروسات، بالإضافة إلى جميع السموم المنتجة بسبب هذه الكائنات أو المستخلصة من النباتات والحيوانات. وتكثر الروايات التي تدعم هذه الفكرة لأغراض سياسية اقتصادية ضد الصين. كذلك، قد يكون فقدان السيطرة على التحكم بفيروس كورونا هو ما سبب انتشاره في عدد من البلدان. وعلينا الانتظار لفهم خلفية هذا الفيروس، ففي الفترة المقبلة ستتوضح الامور أكثر في ما يتعلق بشركات الأدوية، ويمكن ان يكون لقاح كورونا موجوداً عند جهة معينة ستعلن عنه مستقبلاً لأهداف تجارية، تماماً كما حصل في موضوع الـ”H1N1”.
لا تقتصر الحروب البيولوجية على نشر الأمراض والأوبئة بصورة مباشرة ضد العدو، لكن قد يستخدمها البعض لإلحاق الضرر بمصادر الغذاء، وقطع الإمدادات الغذائية الأساسية للعدو مما يؤدي إلى نشر المجاعات، فتُميزها دقتها المتناهية عن الأسلحلة النووية. وللأسلحة البيولوجية الكثير من المحطات على مرّ التاريخ، واستخدمت في العصر الحديث خلال الحرب العالمية الأولى من قبل الجيش الألماني، وفي الحرب العالمية الثانية أيضاً من قبل القوات اليابانية ضد الصينيين. كذلك، استخدمت بريطانيا بكتيريا الجمرة الخبيثة كسلاح بيولوجي في الحرب العالمية الثانية على جزيرة غرونارد الاسكتلندية، التي لم تتعاف من آثار المرض إلا في العام 1987. وفي العام 1979، أصيب 79 شخصاً بالجمرة الخبيثة عن طريق الخطأ، في المركز العسكري الروسي في سفيردلوفيسك لم ينجُ منهم إلا 11 شخصاً. أمّا الطاعون فكان السبب الرئيسي لهلاك سكان أوروبا في القرن الـ14، وصُنف من أخطر الأسلحة البيولوجية عبر التاريخ، وقد ظهر في الصين العام 1940، واتضح لاحقاً أن اليابان أطلقته بإرسال براغيث مُحملة بالمرض. وفي العام 2008 اتهمت زيمبابوي الحكومة البريطانية باستخدام الكوليرا كسلاح بيولوجي أدى إلى مقتل مئات الأشخاص للإطاحة بنظامها، لكنه وقبل ذلك في العام 1816 وقعت 7 أوبئة للكوليرا قتلت ما يقرب من مليون شخص خلال 1852-1860 في روسيا. كذلك، تم استخدام “لفحة الأرز”، كسلاح بيولوجي في العديد من البلدان، حيث جمعت الولايات المتحدة الأميركية عينات من الفطريات الضارة والمسببة لأمراض المحاصيل في هجوم محتمل على آسيا، بعد أن استخدمت المحاصيل المقاومة للفطريات كأسلوب دفاعي للحفاظ على محاصيلها. وتعتبر “لفحة الأرز” من الأمراض الفتاكة التي تصيب الأرز، حيث تتطور العدوى مكونةً الجراثيم الفطرية التي تتكاثر بسرعة، وتنتقل من نبات لآخر، فتؤدي إلى ضعف النباتات وبالتالي قلة المحاصيل، وتسبب تغييراً جينياً في النبات، مما يؤدي إلى تسمم من يتناوله.
أوبئة غيرت حملات عسكرية
يشكل تفشي فيروس كورونا الجديد والارتفاع المستمر بعدد الاصابات والوفيات، فرصة لتذكير العالم أنّ الفيروسات والأوبئة تقتل كل عام عدداً من الناس أكبر بكثير من الحروب والصراعات العسكرية. ويقدر أنّ الحروب قتلت خلال القرن العشرين نحو 160 مليون شخص، بالمقابل قتل وباء الإنفلونزا الإسبانية في 1918 نحو خمسين مليون إنسان، وهو ثلاثة أضعاف قتلى الحرب العالمية الأولى في الفترة نفسها. بالعودة الى الوراء، يحتل الطاعون مكانة مميزة في التاريخ القديم والحديث، ويعتقد بعض الباحثين بأنّ انتشار الطاعون من خلال الجنود العائدين من الحرب هو سبب انهيار الحضارة الرومانية. كذلك، لعب الطاعون دوراً مهماً في فشل القائد الفرنسي نابليون بونابرت في احتلال عكا إبان الحملة الفرنسية، وفي غزو روسيا أيضاً في القرن التاسع عشر بسبب حشرة القمل التي أصابت جنود حملته، وقتلت حوالى ثلث المحاربين. وفي العام 1812 اجتاح نابليون بونابرت الأراضي الروسية بقوة قُدرت بنصف مليون جندي، إلا أنّ غالبية الجنود ماتوا بسبب مرض التيفوس، ولم ينج منهم سوى بضعة آلاف فقط. وأثبتت دراسة فرنسية أجريت على أسنان جثث بعض الجنود المشاركين في الغزو، إصابتهم بأمراض التيفوس المنقول عن طريق تغلغل القمل في الجسم، فضلاً عن مرض حمى الخنادق الذي تفشى بينهم، وهو ما أثر على قدرتهم في مواصلة اجتياح الأراضي الروسية، وانتهت الحملة بالفشل. أمّا اليابان فكادت أن تسيطر على جزيرة الهند البريطانية أثناء الحرب العالمية الثانية لولا انتشار مرض الملاريا والدوسنتاريا، ما دفعها الى التراجع والانسحاب من المنطقة.