IMLebanon

«الفضل» لـ«كورونا» في تظهير المشاكل البنيويّة لأزمة التعليم

مشاريع الجهات المانحة تحمل أجندات لا تشبهنا

 

أزمة التعليم في لبنان بنيوية، وليست نتيجة جائحة «كورونا» التي كان لها «الفضل» في تظهير هذه الأزمة. المطلوب عقد تربوي جديد يستند إلى حاجاتنا الوطنية، لا إلى مشاريع «لا تشبهنا» تفرضها الجهات المانحة من دون أي دراسة لأثر هذه المشاريع على التعليم. وقبل ذلك، المطلوب، أولاً، إقصاء الفاسدين في وزارة التربية والمركز التربوي ومحاسبتهم

 

«التعليم وصل إلى مأزق وثمّة حاجة إلى ثورة تربوية»، كما تقول رئيسة الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية سوزان أبو رجيلي. الأستاذة في كلية التربية في الجامعة اللبنانية تدعو إلى «عقد اجتماعي تربوي جديد» يكون الباحثون التربويون فيه بمثابة مرجعية علمية وطنية تضغط إلى جانب الرأي العام لتوجيه السياسات التربوية بما يتلاءم مع حاجات المجتمع. وتشدّد على «اعتماد مقاربة أخرى للملف التربوي تستند إلى أولوياتنا، لا إلى الأجندات الخاصة للجهات المانحة كالبنك الدولي والأمم المتحدة واليونيسيف التي تفرض على وزارة التربية مشاريع وخططاً إنقاذية لا تشبهنا من دون تشاور مع الأطراف التربويين إلا من باب رفع العتب، ومن دون أي دراسة لأثر هذه المشاريع على التعليم».

 

 

(مروان طحطح)

 

ضمن هذا التوجه، نشرت أبو رجيلي وزميلتها الأستاذة المتقاعدة من كلية التربية، سهام حرب، دراسة تناولت الواقع التربوي المأزوم في التعليم ما قبل الجامعي. الإشكالية التي طرحتها الدراسة: هل الأزمة التربويّة في التعليم العام نتيجة لجائحة كورونا وما رافقها من مشاكل، أم أنها كانت موجودة وظهّرتها الأزمات المتلاحقة؟

الباحثتان افترضتا بأنّ «أزمة التعليم العام أزمة بنيويّة طفت على السطح عندما تغيّر براديغم التعليم من حضوريّ إلى تعليم عن بُعد أو تعليم مدمج». لذا جرى الوقوف على واقع الأطراف التربويين، فأجريت سلسلة مقابلات مع عيّنة من الأهل (14) من مستويات علميّة متعدّدة وأوضاع عائليّة متباينة، و13 تلميذاً من مختلف المراحل التعليميّة ومن مدارس متنوّعة.

 

المعلمون وحيدون تحت المجهر

الدراسة لفتت إلى أن العام الدراسي 2020 – 2021 انطلق على وقع الصراعات بين لجان الأهل وإدارات المدارس الخاصّة، نظراً إلى عدم قدرة عدد متزايد من الأهل على تسديد الأقساط. وسرعان ما أخذت مدارس خاصّة أساتذتها رهائن، فخفّضت معاشاتهم، أو أوقفتها كلياً، أو صرفت بعضهم. واعتمدت ممارسات تعسّفيّة، في ظل صمت النقابات، «ما يعكس التماهي بين منطق العديد من السلطات التربويّة ومنطق السلطة السياسيّة البعيدة عن معاناة الناس». أمّا معلّمو التعليم الرسمي، فرغم أن أجورهم لم تُحسم إلا أن قيمتها تدهورت نظراً إلى الأزمة الاقتصاديّة. ومع إغلاق المدارس في 29 شباط 2020، أيقنت وزارة التربية ضرورة طرح بدائل للمدارس الرسميّة، فصمّمت بالتعاون مع المركز التربوي سيناريوهات عدّة من بينها التلفزيون التربوي. ولتنفيذ خطّة التعليم عن بُعد، تطوّع عدد من المعلمين في القطاعين الرسميّ والخاص لتحضير دروس وتصوير حلقات تلفزيونية مخصّصة لصفوف الشهادات الرسميّة. وبحسب الباحثتين، أضاءت الحلقات التلفزيونية على تنوّع المهارات التعليميّة واللّغويّة، والتباين في ما بينها. هذا التفاوت في أداء المتطوّعين «يدلّ على الاستنسابيّة في معايير التوظيف عموماً، وقصور لجهة متابعة من يعانون من تعسّر في أدائهم ودعمهم وتدريبهم بشكل متواصل، في القطاعين الرسميّ والخاص، ما يُعتبر من أبرز إخفاقات التعليم في لبنان».

الباحثتان رصدتا مواقف متنوّعة لدى التلامذة تجاه التعليم عن بُعد، إذ لمستا استقلاليّة نسبيّة لدى بعض من استفادوا من مهاراتهم الأكاديميّة والتكنولوجيّة وطوّروها، ومثابرة لدى البعض الآخر حدّت منها أحياناً الإمكانيات الماديّة والمهارات التقنيّة المحدودة، فاتّسمت رحلتهم بالقلق والضياع. وكان الأمر أكثر إرباكاً لدى العائلات التي لا تمتلك الحدّ الأدنى من المقوّمات. إلى ذلك، كانت هناك لامبالاة لدى طلاب وجدوا في التعليم عن بُعد فرصة لتمرير العام الدراسيّ كيفما اتّفق، فلم يبذلوا جهداً يُذكر، بل انقطعوا إمّا إلى هواياتهم، وإمّا إلى العمل، وخصوصاً في العائلات الفقيرة. ورُصد تعثُّر لدى من هم متعثّرون أصلاً، إذ قضى بعض الأهل نهارات بكاملها يحاولون تلقّف مادّة التعليم والإصغاء إلى الشروحات الضئيلة المتوفرة ليعودوا بعدها إلى أولادهم، يمعنون في الشرح والتدريب وفق طاقاتهم وتصوّراتهم. ومن بين هؤلاء المتعثّرين ذوو الاحتياجات الخاصّة الذين غالباً ما كان التعليم عن بُعد مشقّة عليهم وعلى أهلهم ومعلّميهم، وكذلك تلامذة الروضات الذين اعتبرهم بعض الأهل «متعلّمين غير مستقلّين»، و«لا يمكن ضبطهم أمام لوح إلكتروني». وبين الأهل أيضاً، ثمّة معلّمون عانوا الأمرّين لتلبية متطلّبات المدرسة الرسميّة أو الخاصّة فمارسوا التعليم عن بُعد، لكن لم يتسنّ لهم الوقت لمتابعة مسارات أولادهم، خصوصاً في العائلات المتعدّدة الأولاد.

 

تعليم لتمرير الوقت

«ضياع»، «غضب»، «قلق» هي مفردات مشتركة بين الأهل على تنوّعهم. وبحسب الباحثتين، بدا أن هناك شعوراً ضمنيّاً بأنّ التعليم عن بُعد لا يعدو كونه «تمريراً للوقت» وطريقة غير مجدية لاحتواء الأولاد وضبطهم. فيما المخرجات التربويّة مشكوك في فعّاليتها. وقد توزّع الأهل بين حضور فاعل (متابعة، مساندة، شرح، دعم، تذكير…) وحضور صوريّ اكتفى بالمراقبة والتنبيه والتأنيب. ولم تكن أي من فئات الأهل في وضع يؤهّلها أن تعوّض نظام «اللامدرسة» على الصعد النفسيّة والعلائقيّة والتعليميّة – التربويّة.

 

شعور عام بين الأهل بأنّ التعليم عن بُعد لا يعدو كونه تمريراً للوقت فيما المخرجات التربويّة مشكوك في فعّاليّتها

 

 

خلال صيف 2020، ترقّب المجتمع اللبناني صدور خطّة تربويّة وطنيّة لإدارة الأزمات المتوقّعة خلال العام الدراسي 2020-2021، خصوصاً بعد انفجار المرفأ وتضرّر 241 منشأة تعليميّة، مع تقدير الخسائر والأضرار بما يفوق الـ 100 مليون دولار، وبعد انتقال نحو 60 ألف طالب من القطاع الخاص الى الرسمي. غير أن ما صدر حتى الآن، كما أشارت الباحثتان، لم يرقَ إلى مستوى الرؤية الاستراتيجيّة المتكاملة، إذ اقتصرت الإجراءات على تدريب عدد من الفرقاء التربويين في المؤسستين، إضافة إلى عدد من مديري ومعلّمي القطاع الرسمي على استخدام منصّات وموارد تكنولوجيّة وعلى الإجراءات الوقائيّة من الأمراض الوبائيّة.

في المقابل، لم تنشر وزارة التربية أيّ تقرير يتضمّن مسحاً مفصّلاً لأضرار القطاع التربوي جرّاء انفجار بيروت، أو خطّة عمل لإعادة إعمار وترميم المدارس من جهة، ولدعم المديرين والمعلّمين التلامذة والأهل لمواجهة العام الدراسي الصعب من جهة أخرى. الباحثتان أوصتا بالركون إلى استراتيجيّة وطنيّة لتأمين رقابة تربويّة ودعم مهني في القطاعين الرسمي والخاص. لكن المهم قبل ذلك، «إقصاء ومحاسبة المسؤولين والموظّفين الفاسدين في وزارة التربية والمركز التربوي للبحوث والإنماء، وتعيين مسؤولين يتّسمون بالنزاهة والمعرفة والخبرة في إدارة الشأن العام، مع تفعيل مهامّ المفتّشين التربويين».