«لقد فقدنا السيطرة على الوباء» هذا ما أعلنه «إريك كوميس» رئيس قسم الأمراض المعدية والمدارية في أحد مستشفيات العاصمة الفرنسية، في الوقت الذي أعلن فيه البروفسور جان فرانسوا دلفريسي رئيس المجلس العلمي الذي يقدم المشورة للحكومة الفرنسيّة أنّ «فرنسا ربما تشهد 100 ألف إصابة يومياً»، وعلى نفس الوتيرة تنحو إسبانيا وإيطاليا، فيما اتخذت إيرلندا إجراءات مشدّدة حتى تتمكّن من الاحتفال بعيد الميلاد ضمن أجواء مقبولة، فماذا عن لبنان الذي شغلته السياسة كثيراً عن أرقام وباء كورونا التي باتت تلامس الـ1500 إصابة يومياً ويشهد معدّل الوفيّات إرتفاعاً مقلقاً، فيما أطلق الدكتور محمد جواد خليفة تحذيراً واضحاً بأنّه «على لبنان تغيير استراتيجيّته لمواجهة كورونا الذي قد يستمرّ لعام ونصف حتى لو توفّر اللقاح في وقتٍ يعاني القطاع الصحي من واقعٍ مزرٍ»، كما أطلق تحذيراً خطيراً حذر فيه من أن «مستوى الطبابة يتدهور ونحن بوضع سيء جداً، علينا قلب الاستراتيجية في لبنان بشكل سريع وجعل المستشفيات في المناطق مجهزة بأجهزة التنفس الإصطناعي وغرف العناية الفائقة»، ولكن هل يجري الاستعداد للموجة الثانية الكورونية الشديدة في ظلّ حالات الاستهتار التي تتجلّى في استخفاف اللبنانيين الشديد بالوباء الذي يعصف بالعالم!
يعتقد كثير من اللبنانيّين أنّ تعايشهم بلامبالاة ووجهاً لوجه مع فيروس كورونا قد يكون أهون عشرات المرّات من التعايش مع سياسيّين يتشقلبون عشرات المرات في مواقفهم في ساعات قليلة، وأهون بكثير من مواجهة غيلان الاحتكار والتجار الفاسدين الذين قرّروا أن ينهبوا البقيّة الباقية في جيوب اللبنانيّين وأفواه أطفالهم من دون أدنى خوف من أيّ محاسبة.. بلدٌ، كان يُقال فيه في مطلع هذا العام المشؤوم وبالفم الملآن، أنّ لبنان يحتاج إلى 5 أو 6 مليارات وأنه «في حال لم تصل هذه المبالغ فإنّ الوضع في لبنان، سيكون اشد وطأة من دولة مشرفة على الافلاس»، الأسبوع الماضي قيل إن فرنسا وأميركا تسعيان لتأمين مليار أو ملياري دولار حتى لا تتسبّب العقوبات الأميركيّة بانهيار البلد كلّياً، المشكلة أنّ الأولويّات اللبنانيّة غير واضحة خصوصاً وأنّ موضوع تشكيل الحكومة «حبله طويل» فأمامها بيان وزاري وستعلق دولياً في فخّ الثلاثيّة البغيضة الزائفة «جيش شعب مقاومة»، ثمّ أمامها مشوار نيل الثّقة، هذا في حال كانت الأمور إيجابيّة إلى أقصى الحدود.
أخوف ما نخاف في ظلّ التهّرب من اتخاذ إجراءات إقفال وحظر تجوّل كما في الفترة الأولى من الموجة الأولى من تفشّي كورونا، نجحت سياسة وزيرا الصحّة والداخليّة في الإمساك بزمام الأمور، ولكن ليس في كلّ مرّة تسلم الجرّة، والموجة آتية ولن ترحم واقعنا الصحي الرّديء لذا الاستعداد والتحسّب وإجراءات الإقفال خصوصاً وأن هناك لبنانيين لا يبالون لا بصحتهم ولا بصحّة الآخرين، ومنهم بعضاً لا يزال يعتبر كورونا نظريّة مؤامرة!!
يوم الأحد الماضي حذّر وزير الصحة الأسبق الطبيب محمد جواد خليفة أنّه «إن كان أحد يظنّ أنّ إدارة البلد صحيّاً تكون بالرّهانات السياسيّة فهو خطأ ورهان غير مجدٍ»، نعم يحدث أن تدار أمور البلد صحيّاً برهانات سياسيّة حمقاء، من المؤسف أنّنا بالأمس عدنا نسمع نغمة أنّ وزارة الصحة لحزب الله، وهذا يعني بكلمتين هذه الوزارة «حصة إيران» وعبثها بصحة اللبنانيين وفتح سوق تجارة للإلتفاف على العقوبات في سوق صحة اللبنانيين!!
نتمنّى أن يعي المستهترون من اللبنانيين أنّ صحتهم وحياتهم أهم بكثير من كلّ «المصاري»!