IMLebanon

النّفاق والمصاري و«كورونا»  

 

 

نتمنّى أن يعترف اليوم الرئيس الفرنسي أيمانويل ماكرون أثناء استقباله وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بفشل مبادرته في لبنان فيريح نفسه ويُعرّي الذين لا يزالون يتوهّمون أن المبادرة الفرنسية التي ماتت وشبعت موتاً هي أساس الحكومة العتيدة تماماً مثلما ظلّ اللبنانيّون والعرب يضحكون على أنفسهم منذ القمة العربيّة في بيروت عام 2002 مبادرة الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز التي حملت عنوان الأرض مقابل السلام، العرب أنفسهم تخلّصوا منها عام 2020 وتلهث دول الخليج إلى توقيع السلام والتطبيع مع العدو الإسرائيلي متجاهلين الحكم الفلسطيني وفلسطين والدول العربيّة التي تحتل إسرائيل أراضيها!!

 

بالأمس نشر الأستاذ جوزف توتنجي على صفحته على موقع فايسبوك ما يختصر المشهد اللبناني منذ قرون عدّة إنّما حدّده بقرن واحدٍ من عمر «دولة لبنان الكبير»، ربما على أحد ما أن يترجم ما نشره توتنتجي للرئيس ماكرون حتى تزول صدمته من سياسيي اجتماع قصر الصنوبر ومن الرؤساء في أي مؤسسة رئاسية تتقاسمه الطوائف، علّ أحداً ما ينقل له هذه الحكاية حتى يفهم ما حدث معه في لبنان، وما يفعله على الأقل نصف اللبنانيين ومن جميع الطوائف منذ قرون منذ زمن القناصل ومن أيام دول قامت ثمّ زالت، في الحقيقة هذا نحن على حقيقة النفاق فينا ـ وحتى لا يستاء أحد عند بعض كثير منّا ـ وبعد أن استأذنّا الأستاذ جوزف توتنجي بنشر قصتّه نعيد نشرها هنا وعنوانها لا تقلق فلكلّ زمنٍ منافقيه:

 

عندما أعلن المؤتمر السوري العام 7 آذار 1920 الأمير «فيصل الأوّل» ملكاً دستوريّاً على سوريا… ذهب وفدٌ من جبل لبنان إلى دمشق للتّهنئة، وكانت فرنسا ضدّ فيصل، وكان بين أفراد الوفد شاعرٌ شعبيّ زجّال بارع. عندما وصل الوفد إلى مقرّ الملك فيصل بادر الزجّال بالقول بأعلى صوته بطريقة «العراضة» أو «العديّة»: «بواريدنا.. بتردّها/ وبصدورنا منصدّها/ فيصل أمير بلادنا/ باريس تلزم حدّها»..

 

وبعد أربعة أشهر بالتّمام لـمّا اجتاح الجنرال «غورو» دمشق بعد معركة ميسلون في تموز 1920 وغادرها الملك فيصل، ذهب الوفد ذاته من جبل لبنان إلى دمشق، لتهنئة الحكومة الجديدة الموالية للفرنسيّين ـ نفس الوفد بلا زيادة ولا نقصان ـ وكان في عداد الوفد «الزجّال» نفسه وعند وصول الوفد إلى دمشق راح صاحبنا الزجّال يُنشد وبأعلى صوته أيضاَ: «يا مير وش لك بالحروب/ باريس منّك قدّها/ هيدي دول بدها دول/ راعي غنم ما يردّها».. مئة عام مضت ولم يتغيّر شيء، نفاقٌ للقويّ وسكوت على حقّ الضّعيف».

 

عندما قرأت هذه القصة العتاة والصقور لأي فريق انتموا «حفيَت» عجلات سياراتهم على طريق الشام وياما توقفوا في عنجر وكتبوا القصائد مدحاً بدءاً من رؤساء الأجهزة السوريّة في لبنان وصولاً إلى رأس النظام وكتبوا التفارير ونقلوا الأخبار، الذين حافظوا على صدقهم ومصداقيتهم «بينعدّوا عالأصابع»! ويبدو أنّه مكتوب في قدر  لبنان أن يكون نصفه من هذه العيّنة سواءً كان المحتلّ دمشق أو فرنسا أو إيران تتغيّر الأسماء والنّفاق هو النّفاق!

 

بعيداً عن سخرية فشل تشكيل حكومة تنقذ لبنان، أمي وفي زمن اشتداد الوباء أختار اللبنانيّون أن يثبتوا خطأ المثل القائل «يا روح ما بعدك روح»، ما شاهدناه بالأمس من عدم الإلتزام بالإقفال والبقاء بالبيوت ليوم واحد فقط يؤكّد أمريْن الأول: أنّ الدولة التي تطالب المواطن الذي يعيش ساعياً خلف رزقه يوماً بيوم أن يموت من الجوع خلال 14 يوماً من الحجر من دون أن تقدّم له أدنى مساعدة ماديّة أو تعويض أو تأمين احتياجاته الغذائية خلال هذه الأيام، وآخر همّ هذه الدولة الفاشلة التخفيف من معاناة المواطن اللبناني.

 

أما الأمر الثاني، فهو الكيل بمكيالين حالة رفض للحجر أصابت كثير من اللبنانيين عندما شاهدوا عجز القوى الأمنية عن إقفال مقاهي في الضاحية وسمعوا أحدهم يخاطب هذه القوى قائلاً «ما تقول كلمة حجر»! لماذا يفتح سوق صبرا الشعبي فيما يقفل سوق عكّار، إضافة إلى فئة المال جعلها فوق القانون، واللبناني بطبيعته متذاكي ويحتال على القانون بطرقٍ شتّى، هناك مشكلة حقيقيّة بقرار الحجر سببه عقليّة المواطن ووضعه المادّي والدولة مستقيلة أمام هذا الواقع!