لن يكون إقفال آخر. الإغلاق الحالي هو الأخير، رغم أنه لم يحمل خفضاً لأرقام الوفيات والاصابات. صحيح أن قراءة الأرقام تختلف بين مؤيدي الاقفال ومعارضيه، إلا أن الجميع يبدو مسلّماً بأن «آخر الدواء» سيكون انتظار وصول اللقاح. وحتى ذلك الحين، الوصول، ربما، إلى مناعة القطيع
ثمة شبه إجماع على أن الإقفال التام الذي بدأ في 14 الجاري وينتهي في الثلاثين منه سيكون الأخير، بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي تحول دون أيّ تفكير بتمديد الإقفال أياماً إضافية أو العودة إليه مجدداً لفرملة الإصابات التي لا تزال تُحلّق منذ أسابيع.
فخلافاً للتقديرات بإمكان تسجيل تراجع، ولو طفيف، في عدد الإصابات اليومية نتيجة الإقفال التام، استأنفت الأرقام أمس الصعود، مع إعلان وزارة الصحة مساءً تسجيل 1859 حالة (13 منها فقط وافدة)، فيما سُجّلت 24 وفاة في الساعات الـ 24 الماضية (وصل إجمالي الوفيات إلى 974). تأتي هذه الأرقام عشية اليوم الـ 13 للإقفال الذي ينتهي الثلاثاء المُقبل، فهل يعني ذلك أن الإقفال لم يحقق الأهداف المرجوة منه، وكان «لزوم ما لا يلزم»، أم أن هذه الأرقام ليست إلا دليلاً على أن الإغلاق أنقذ البلاد من سيناريو أسوأ، وفق مصادر وزارة الصحة؟
في جردة سريعة للأرقام الرسمية، سُجّلت نحو 13 ألف حالة شفاء منذ بداية الإقفال حتى مساء أمس. وخلال 12 يوماً فقط، سُجّل 17 ألفاً و890 إصابة جديدة، وتوفي 168 شخصاً ليرتفع معدّل الوفيات في لبنان إلى 139 شخصاً بين كل مليون مُقيم. واستناداً إلى أرقام الأيام الـ 14 الماضية، وصلت نسبة تعرّض المُقيمين في لبنان للفيروس إلى 403 أشخاص من بين كل مئة ألف مُقيم.
بعض الجهات المناهضة للإقفال (وخصوصاً التجار) ترفع هذه الأرقام كدليل على عدم فعالية الإقفال، وعلى حتمية التعايش مع الواقع الوبائي المتفاقم، وربما الوصول إلى «مناعة القطيع»، إلى حين وصول اللقاح الموعود، فيما تستند مصادر وزارة الصحة الى الأرقام نفسها لتأكيد أن الوضع كان ليصبح أكثر كارثية لولا «رحمة» الإقفال.
وبمعزل عن هذا النقاش، تثير هذه الوقائع مزيداً من القلق بشأن مرحلة ما بعد الإقفال، وتفرض أسئلة حول الإجراءات التي ستتخذ تزامناً مع إعادة الفتح.
مصادر وزارة الصحة أكّدت لـ«الأخبار» أن «إعادة الفتح التدريجي هذه المرة ستترافق مع إجراءات حاسمة في القطاعات لضمان التزام القيّمين عليها بإجراءات الوقاية تحت طائلة إقفالها». إذ إن «الرهان بعد الإقفال سيكون على المُقيمين في ظل استبعاد خيار العودة الى إقفال خامس بسبب الأزمة الاقتصادية». وخلصت الى أن «من يريد النجاة وعدم الإصابة بالعدوى عليه أن يحمي نفسه، لأن لا خيار أمام الدولة حالياً إلا انتظار اللقاح وزيادة عدد الأسرّة». رغم ذلك، فإن وزارة الصحة، وخلفها الحكومة، مطالبتان بشرح التحضيرات والتجهيزات التي أنجزتها أثناء الإقفال.
المُفارقة أنّ «الإنجاز» الذي يُروّج له حالياً يتمثّل بإضافة 210 أسرّة عادية و90 سرير عناية مركّزة في المُستشفيات الخاصة التي «تكرّمت» بقبول استقبال المصابين، بعدما خضعت وزارة الصحة لابتزازها برفع كلفة المصاب بكورونا الى 300 ألف ليرة يومياً و500 ألف ليرة في غرفة العناية الفائقة. وهذا كله كان يمكن أن يُنجز منذ أسابيع، من دون «مكرمة» المُستشفيات الخاصة، فيما لو «تقرّشت» وعود وزير الصحة حمد حسن منذ سبعة أشهر بتجهيز المُستشفيات الحكومية، وربما ما كانت هناك حاجة إلى الإقفالات المتكررة لو أن ذلك تحقّق فعلاً.
اللافت أن المُستشفيات الخاصة لم تتخذ، بالتوازي مع الدعم الذي حظيت به، أية إجراءات استثنائية لتعزيز طواقمها التمريضية وحمايتها، سواء عبر تسديد رواتب الموظفين الحاليين أو عبر إعادة توظيف من طردتهم بحجة الأزمة. وهنا يُسأل المعنيون في القطاع الصحي: هل تكفي الأسرّة لمواجهة الضغط على القطاع الصحي ما لم يتوافر العديد المطلوب من العاملين الصحيين؟