الكارثة العالمية التي دخلت دائرة الاهتمام الكوني حاصدة الأرواح ومثيرة الرعب والتكهنات، فيروس كورونا، ليست تفصيلاً هامشياً في جدول اهتمامات العالم، بل تحدّ جدّي يتطلبُ تضافرَ الجهودِ البحثيةِ والوقائيةِ والعلاجيةِ، ويفرض تغييرات جذرية في سلوكيات وأنماط وتصرفات وإجراءات الدول والأفراد، ريثما تتمكن البشرية من إيجاد مضاد فاعل له أو محاصرته بالحدّ الأدنى، خصوصاً بعد شيوع سيناريوات مخيفة لمستقبل الفيروس، منها احتمال أن يصبح مستوطناً بين البشر، أي أنه قد يصبح فايروساً مزمناً مثل «الإنفلونزا» يُصاب به البشر دائماً في حال لم يستطع العالم تحييد!.
الذعرُ المضاعف
في لبنان تتكاثر الهموم، تتمدّد كفيروس مؤذ، بعضها بفعل فاعل، وبعضها بنقل ناقل. هنا، وفيما الشعبُ يعيشُ ذعراً مضاعفاً، من الدولار ومن الجوع ومن الغلاء ومن البطالة ومن الحمايات غير المفهومة للمتورطين بإفقار الشعب ومن تبخّر قيمة العملة، تواجه الدولة أسوأ أزماتها الاقتصادية في تاريخها الحديث، وأمامها استحقاقات داهمة أهمها تسديد سندات «يوروبوند» بقيمة 1.2 مليار دولار التي تستحق في 9 آذار الجاري، والحكومة إزاء هذا الاستحقاق أمام خياريين أحلاهما مرّ: الدفع ويعني مزيداً من استنزاف العملة الصعبة من السوق الداخلية وحجبها عن المودعين، أو التخلف عن السداد ويعني مواجهة مشاكل كبيرة مع المجتمع الدولي.
في الأثناء، يحضر شبح «كورونا» بوصفه تحدياً مضافاً لدولةٍ تعاني إرباكاً في كل شيء، وفوقه سوء تدبير، وقد بلغ عدد الإصابات المؤكدة 13 شخصاً. وبانتظار أن تحسم الحكومة ترددها – لعل سببه الخجل – غير المبرر في ثلاثة أمور حيوية، هي: إعلان حالة طوارئ شاملة، ووقف الرحلات الجوية بين لبنان والدول التي تفشى فيها الوباء، وتشديد إجراءات الرقابة والحجر على المداخل الحدودية، الجوية والبحرية والبرية؛ تبدو غارقة في تباين وتناقض كلامي وإجراءاتي، والأسوأ استغلال البعض الأزمة لمراكمة أرباح من وراء الكارثة وهلع الناس وحاجتهم لمستحضرات وأدوات الوقاية. وفي مقابل، سياسات تضخيم الطمأنة لدرجة السذاجة، وبث الشائعات، وإجراءات هشّة إلى حدود الغرابة، تبرز مخاوف من عملية تعتيم مقصود على وقائع وأرقام وتفاصيل متعلقة بالوباء منذ 20 شباط الماضي تاريخ وصول أول طائرة تحمل مصابين بالفيروس آتين من إيران.
المخاوف المتزايدة من كورونا في لبنان، لها ما يبررها، أولاً، لأنه بلد صغير جغرافياً، وشديد التواصل والتشابك داخلياً ومع دول العالم، وثانياً عدم الجهوزية، لأنه لا يمتلك بنية لوجستية تؤهله لمواجهة الأوبئة والكوارث، ولا يملك حتى أماكن كافية للحجر الصحي، فالمليارات التي دفعت لهذا البلد لتعزيز بناه التحتية في البيئة والطاقة والصحة ذهبت لجيوب الناهبين وليس إلى وجهتها. وبحسب مجلة «فورين بوليسي» تتجسد التحديات أمام لبنان بـ «قدرة البلاد على مواجهة فيروس كورونا، ولا سيما توظيف ما يكفي من الكوادر الصحية المدربة، لإجراء فحوصات الحمى في المطار، وصولاً إلى تجهيز المستشفيات بمعدات متخصصة، مثل أجهزة التنفس لمناطق الحجر الصحي. لذلك فإن تأمين الموارد البشرية والمالية اللازمة للتعامل مع حالات الفيروس الشديدة من شأنه أن يضع نظام رعاية صحية مترهل بالفعل، في ضائقة شديدة». وليس أبلغ من وصف هذا الواقع من قول رئيس مجلس الوزراء حسان دياب أمس أمام السلك القنصلي، إن «الدولة لم تعد، في ظل واقعها الراهن، قادرة على حماية اللبنانيين وتأمين الحياة الكريمة لهم»، وكأنها فعلت يوماً ما؟!
«أوبك» خائفة!!
بموازاة الهلع من «كورونا» الذي غطى وتقدم على كل شيء، حتى التظاهرات والخيبات اليومية على أبواب المصارف، وضعُ لبنانَ شديدُ السوء على كل المستويات؛ في تجاوز القوانين، في الخدمات، والكهرباء، والصحة، والاستثمار، والإدارة، والعلاقات مع العالم، مع دين عام يتجاوز الـ 150 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وحاجة ماسّة لتدخل مالي عاجل بقيمة 50 مليار دولار لتخطي الأزمة، وفق الخبراء.
وسط هذه الصورة، كان الأمل بأن يحدث إعلان انطلاق أعمال الحفر لاستشكاف أول بئر نفطي صدمة إيجابية يتردد صداها داخلياً وخارجياً لتكسر بعضاً من الأزمة المستحكمة، خصوصاً وأن اللبنانيين يسمعون منذ العام 1952 حديث استخراج النفط ويرون فيه، في حال كانت النتائج إيجابية، انجازاً وطنياً استثنائياً، في مقابل فشل وهدر وفساد وسمَ قطاع الطاقة منذ عقود.
الذي حصل، أن الخطاب الذي ألقاه الرئيس ميشال عون عشية انطلاق أعمال الحفر، بدا مستفزاً لكثير من اللبنانيين الذين وصفوه بالخطاب الحزبي والفئوي، فهو استبق كل الخطوات اللوجستية لظهور نتائج التنقيب والحفر، وعزا هذا الانجاز التاريخي إلى تكتل التغيير والاصلاح الذي ترأسه لسنوات، وإلى الوزارات التي تحمّل التكتل مسؤوليتها، ولا سيما وزارة الطاقة منذ تسلمها جبران باسيل، مفضلاً تعويم باسيل على ما عداه من اعتبارات.
الواقع أن النفط، إن ظهر يقول لنا رئيس الجمهورية، سيكون انجازاً عونياً، عائلياً وحزبياً، وما على اللبنانيين واللبنانيات إلا شكر الصهر على «خربشاته»، وليس انجازاً وطنياً، فللوطنية في هذا البلد معان عدة.
دوامة «كورونا»
في الخلاصة، ومن دون دخول في نقاش حول الجدوى والعائد والصندوق السيادي والاحتمالات وثقافة الفساد والمحاصصة والنكايات وغياب الثقة، وما إذا كان لبنان سيتحكم يوماً ما بمنظمة «أوبك» ويفرض شروطه على الدول المصدرة للنفط، كما يحاول البعض القول. فنزويلا، فخامة الرئيس، أحد أكبر احتياطات النفط في العالم، لكن شعبها جائعٌ ومفلسٌ بسبب الفساد.
باختصار؛ كما في مواجهة الوباء المستجد، كذلك في كل الأزمات التي يعيشها البلد؛ الفساد، وغياب الشفافية، والإرباك، وتزايد الشائعات، واللامصارحة، والكيديات، وإخفاء الحقائق.. كلها عوامل تناقض الحكم الرشيد، وتُدخل اللبنانيين، رغماً عنهم، في دوامة أخطر من رعب «كورونا».
حال اللبنانيين مع السلطة المتحكمة باتت محكومة بالخوف المتضخم؛ على الحريات، وعلى المستقبل، وعلى لقمة العيش، وعلى المدخرات، وعلى ما تبقى من دولة ومؤسسات. وإلى الخوف تحضر أيضاً مشكلة عدم الثقة، لا ينفع مع هذين التحديين بوصفهما ركني «الدولة الفاشلة» رفعُ شعار «لا داعي للهلع»! الهلعُ بات ضرورة للوقاية من الأسوأ.