بعد ثلاثة أسابيع على الإقفال العام، بدا الإقفال في البقاع مهزوزاً في نتائجه، والمساحة المتبقّية للسلطة لرفع الدعم عن العديد من المواد الغذائية وتحرير سعر صرف الدولار، وذريعتها لقمع تحرّك الفقراء والجياع ونزولهم الى الشارع.
فكانت قرارات حكومة تصريف الأعمال إعترافاً بالفشل في كلّ الملفّات، من خلال “رشّ بهارات التخفيف التدريجي” من جهة، وإلهاء الناس من خلال الوعود بمساعدات مالية شهرية لم تجد بعد صيغة لإحصاء ومواكبة تزايد عدد الفقراء والمحتاجين، من جهة أخرى. وبالتالي، تستغل الإقفال وجشع التجّار والمحتكرين في زيادة كل الأسعار بشكل جنوني تمهيداً لرفع الدعم بعدما عجزت عن حمايته وإيصاله للمواطن، فيما الفقراء والجياع “محتجزون” في منازلهم وممنوع عليهم مخالفة القرار والنزول الى الشارع للمطالبة بحماية وتأمين لقمة عيشهم، ما وضعهم بين سندان تفشّي وباء “كورونا” وبين مطرقة الجوع وسلطة وتجّار لا يرحمون.
لم يجنِ البقاعي من الإقفال سوى زيادة الفقر والأسعار، وارتفاع عدّاد الوفيات والإصابات بـ”كورونا”، ومخالفات الخروج من دون أذونات، وارتفاع ربطة الخبز التي وصل سعرها الى 2500 ليرة “والحبل على جرّار” غياب المسؤولية، وصولاً الى السلع والمنتجات الزراعية من خضار وفواكه، ليضرب الغلاء “أطنابه”، ويزيد طينته بلة انقطاع كافة المواد المدعومة وتحويلها الى التهريب والسوق السوداء على عين أجهزة الدولة وبرعايتها.
وترجم البقاعيون اعتراضهم على تمديد الاقفال وتردّي الأوضاع المعيشية والإجتماعية والأمنية، باعتصامات في أكثر من محطّة، فقطعوا طريق ضهر البيدر الدولية عند مفرق جديتا العالي، رافعين شعارات تطالب بمساعدة الناس.
لا يعرف شوقي “الكهربجي سيارات” كيف يستمرّ بإقفال محلّه فترة أطول، متسائلاً من يعوّض عليه أجرة المحلّ وأجرة عاملين لديه، وكيف يمكن أن يؤمّن مصاريف عائلته في فترة الإقفال، وقال: “نحنا عايشين كلّ يوم بيومه وما فينا نكفّي هيك ما النا الا الشارع”.
فيما عمران خالد في البقاع الغربي، لا يستطيع الاستمرار بتأمين معيشة عائلته في ظلّ تمديد الإقفال، فهو عامل يومي في مصلحة النجارة، وقال: “الشكوى لغير الله مذلّة، هذه السلطة لا همّ لها الا ان تشلّحنا اللقمة من تمنا”. وأكّد رئيس لجنة الصحّة النيابية عاصم عراجي لـ”نداء الوطن” على “ضرورة الإقفال للحدّ من تفشّي “كورونا”، بعدما تفاقم الوضع ووصلت أعداد المصابين والوفيات الى مرحلة الاستعصاء، نتيجة تراخي الحكومة وعدم التشدّد فترة الأعياد”، وقال: “بعيداً من الشعبوية، على الحكومة أن تسارع الى تأمين مساعدات مالية مباشرة للمواطن، لتساعده على الإلتزام في الاقفال، لا يعقل التهاون والإستهتار لأن الوضع الاستشفائي والطبّي في لبنان يعانيان من ضغط كبير، وأصبحنا أمام صعوبة تأمين أسرّة شاغرة لمرضى “كورونا”، ودعا عراجي الحكومة، وتحديداً وزارة الاقتصاد “الى التشدّد في الرقابة على المؤسسات التجارية وتحديد الأسعار وسلامة صلاحية المواد، لأنّ المواطن يتعرّض لأكبر عملية ابتزاز في الغشّ ورفع الأسعار، وبالتالي يتسبّب بعدم الالتزام بقرار الإقفال، مما يزيد من حالة التفشّي”.
وطالب المواطنين بالتشدّد في “التزام الكمّامة والتباعد الاجتماعي ووقف كافة اشكال المناسبات الاجتماعية لمنع الاحتكاك وتخفيف الاصابات، وعدم تدفيع الملتزمين الثمن”.
وكشف أنّ الاقفال نجح نسبياً في تخفيض عدد الإصابات يومياً من 5000 الى 3000 اصابة، أما عن عدد الوفيات فقال: “للأسف تزايد العدد يعود إلى أنّ غالبية المتوفّين مصابون منذ ما قبل قرار الإقفال”.
بدوره، رئيس تجمع الفلاحين في البقاع ابراهيم الترشيشي أشار لـ”نداء الوطن” الى أهمّية الحدّ من تفشّي “كورونا”، “الا أنّ ذلك لا يمكن أن يكون على حساب المواطن وأصحاب المصالح الصغيرة وغيرها”، وقال: “يفترض بالحكومة أن تعتمد فتح البلد، ورفع نسبة الاجراءات، كما في كافة الدول الأخرى حيث يتمّ ترك جميع المحلات مفتوحة، وتعزيز دور الرقابة على الالتزام بارتداء الكمّامة والتباعد الاجتماعي وحماية المستهلك من الغلاء”، وأكّد أنه لا يمكن ترك الامور على غاربها، عازياً سبب ارتفاع سعر المنتجات الزراعية الى الاجراءات التي حدّت من تنقّل الخضرجي، وبالتالي رفع السعر بحجّة الاقفال. واشار أن السوق المحلي يحتاج الى تصريف أكثر من 2500 طن يومياً من الانتاج الزراعي هذا لا يمكن ان يوزع في “الدليفري” فيؤدي الى فساد المنتجات. وكشف ان تصريف الانتاج انتقص 50% عما كان سابقاً بسبب اجراءات هذه الحكومة.
ولفت الترشيشي الى انه بالرغم من المبلغ الزهيد جداً للدعم والذي لا يزيد عن 10 ملايين دولار في الشهر، فإنّه شكّل البحصة الصغيرة التي تسند خابية كبيرة، وان الغاءه يعني ارتفاعاً كبيراً في كلفة الانتاج الزراعي. وحذّر من مغبّة الإقدام على رفع الدعم خصوصاً وأنّ القطاع الزراعي لم يكن منصَفاً، خطوة في غاية الخطورة وتترتّب عليها انعكاسات كارثية على القطاع الزراعي وانهياره.